![]() |
تأليف : كمال غزال |
لم أعُد أشعر بالخوف....بل لم أعد أشعر بأي شيء على الإطلاق.
كنتُ حتى وقتٍ قريب، منغمساً في عالم ألعاب الرعب.
جربت كل ما هو متاح، "أمنيسيا" Amnesia و "فايتال فريم" Fatal Frame III و "آوتلاست"، Outlast وحتى النسخ اليابانية الممنوعة التي يُقال إنها صُمّمت لتقلب العقل، جرّبتها.، لكن لا شيء منها كان يمنحني الشعور الذي أبحث عنه
ذلك الاندفاع الخالص، دفقة الأدرينالين الأولى… لم أعُد أجدها.
كنت أبحث عن شيء يتجاوز الشاشة… شيء يهزّني من الداخل، يعيدني إلى الإحساس بالرهبة.
وفي لحظة ضجر قاتل، قادتني نفسي إلى حيث لا ينبغي أن أذهب.
***
ظننت أنني سأجد لعبة غريبة، تجربة نادرة… شيئاً يجدد في داخلي ذلك الإحساس الأول.
وخلال تصفّح منتدى قديم، كان مطموراً في أعماق الدارك ويب Dark Web وجدت رابط بدون وصف، أو تقييمات، حتى أنه يخلو من اسم المُطور ، فقط جملة واحدة مكتوبة بخط مشوش :
"لعبة لا تكتمل إلا بمن يجرؤ "
وضغطت تحميل.
لكن ما أثارني، لم يكن ما كُتب… بل ما لم يُكتب.
كأن شيئاً بداخلي قال :
"هذا هو الباب الذي كنت تنتظره دون أن تدري."
بعد تنصيب الملف على الحاسوب ..
ظهرت شاشة سوداء...
ثم صوت خافت أنثوي، كأنما يأتي من أعماق بئر مهجور :
" كل خطوة بطقس ، وكل كشف يُكافَأ "
وبدأت المهام...
أفعال غريبة، لكن مألوفة لمحبي ألعاب الرعب التجريبي
طلبت مني أن أقرأ جملة غريبة، بلغات هجينة، لا تُفهم.
تسجيل نومي أثناء تشغيل الكاميرا.
رسم رموز على جلدي بالحبر وتصويرها.
تلاوة تعاويذ تُعرض على الشاشة بطريقة مُشوشة، كأنها تتلوى…
لم تكن اللعبة لعبة...
كانت تجربة ممعنة في العبث بلا حدود...
وبكل مهمة أنفذها ، تُودَع في حسابي مكافأة بالعملة المشفّرة حيث تحول إلى عنوان محفظتي الرقمية.
تبدأ من 10، 20 ، 50، وتصل حتى 200 دولار.
كلما زادت الجرأة… زادت المكافأة...
وكلما زادت المكافأة… اجتاحتني نشوة غريبة، حادة، مليئة بنبض غير طبيعي.
بعد أن وجدت ضالتي ..
لكن لم أكن أعلم أنني في كل خطوة، كنت أُسلّم شيئاً من نفسي.
***
ثم بدأت تظهر الأعراض.
أحلام متكررة عن أعين تراقبني من خلف المرآة.
رموز رأيتها داخل اللعبة، بدأت تظهر على زوايا غرفتي، دون أن أرسمها.
الساعة تتوقف باستمرار على 03:33 رغم تبديل البطارية !
أسمع همسات تنطق باسمي من جهاز موقف عن التشغيل فأقنع نفسي بأنه خلل…
لكن شيئاً داخلي بدأ يتراخى.
بدأت أتناول اللحم النيّئ بشهية غريبة.
أشمّ هواء الغرفة كما لو كنت أبحث عن رائحة مخفية.
صوتي تغيّر… نظراتي أصبحت أكثر ثباتاً من ذي قبل .
كنت أقول لنفسي :
"هذه أعظم لعبة رعب صُممت على الإطلاق."
لكن في داخلي… كنتُ أرتجف.
***
كنت أظن أنني وصلت إلى نهاية اللعبة…
أتممت ست مراحل، حفظت أصوات الهمسات، وفككت رموز الطقوس، وتسلّمت مكافآت تجاوز مجموعها ألف دولار.
لكن في أعماقي، كنت أعلم أن اللعبة لم تكشر بعد عن أنيابها.
وفي اليوم الثالث والثلاثين من اللعب - نعم، كنت أعد الأيام كمن يحصي خطواته نحو الجنون ، ظهرت مرحلة جديدة على الشاشة، لأول مرة بلغة عربية واضحة:
"الطقس السابع: تقديم القربان "
فتحت المهمة، فتجمّد الدم في عروقي.
كانت هناك تعليمات مفصلة، خالية من أي تلميح للمزاح أو الخداع :
" احصل على ديك أسود، سليم الجسد. اذهب إلى المقبرة الأقرب بعد منتصف الليل، وارسم الدائرة. اذبح القربان داخلها، وردد ما سيُعرض على الشاشة. صوّر كل شيء وارفعه خلال ساعتين. "
"المكافأة: 10,000 دولار ! "
***
لم أعد أضحك.
لم أعد أشعر حتى بالحيرة.
بل بشيء أشبه بالرهبة… كما لو أني بلغت باباً يُمنَع فتحه، حتى لو كنت تملك المفتاح.
توقفت… لأول مرة منذ بدأت.
أنا الآن في صراع داخلي.
كلما قاومت… أشعر برغبة لا تُوصف لأُكمل المهمة.
صوت داخلي يلحّ عليَّ:
"اذهب إلى المقبرة… افتح البوابة."
لكنني قررت رفض المهمة !
اللعبة لم تسكت....
في اليوم التالي، بدأت تصلني إشعارات غريبة على الهاتف رغم أني لم أُسجّل رقمي ، رسائل نصّية تقول :
"ما الذي يؤخرك ؟ القربان ينتظر…"
"الدم هو الخاتمة... الدم هو العبور."
ثم بدأت تظهر على شاشة جهازي صورة ديك أسود يرقبني، وعيناه تُشعّان كأنهما ليستا من هذا العالم ...
لا شك بأن مطوري اللعبة اخترقوا جهازي وعلموا برقم هاتفي مع أنني لم أشاركه !
***
حينها فقط… بدأت أبحث عن جذور اللعبة.
بفضل خبرتي، وبرامج كسر التشفير التي استخدمتها منذ سنوات، استطعت الوصول إلى ملف مخفي في عمق الشيفرة
وبعد أن فكّكته بصعوبة استطعت قراءته...
نصوص طقسية تبدو أصيلة، مكتوبة بلغات نادرة، بينها السريانية واللاتينية والقبطية ، وحمل الملف اسماً أشبه باللعنة: " كتاب الناقل " sigil_core/BookOfTheVessel
وبين فقراته… فهمت.
اللعبة ليست مصادفة.
بل تجربة معدّة من قِبل ساحر خفي يُلقّب بـ"الناقل" ، لا يعمل لنفسه، بل عميلاً لكيان شيطاني يُدعى :
" باثور – سيد الانبعاث السفلي "
كيان منفي، يبحث عن العودة، ويحتاج لأجساد فتية هشّة فقدت المعنى، لتكون أوعية لحلوله فيها.
***
كل مهمة كنت أنفذها لم تكن مجرد تفاعل… بل طقس.
كل معلومة وصورة وصوت وحركة، تُستخدم لبناء بصمة روحية رقمية.
ثم وجدت تلك الجملة، في نهاية ملفي الشخصي الذي فككته أيضاً داخل اللعبة وكانت فيه الحقيقة :
اللعبة ليست تجربة مسلّية، بل طقس قديم تم تحويله إلى بيئة رقمية عبر ما يسمى بـ " الكود الطقسي المشفّر ".
كل مرحلة هي جزء من استدعاء شيطاني تدريجي.
كل خطوة تؤديها تُضعف الحاجز بين روح اللاعب وبين عالم آخر.
والمهمة الأخيرة — ذبح الديك الأسود — ليست مجرد عمل رمزي… بل الخاتمة الدموية لطقس إحلال الكيان في جسد اللاعب.
***
يا للمصيبة استحواذ ..! ولماذا ديك أسود ؟
لأن الديك الأسود في الطقوس القديمة يُستخدم كحامل للنفس… يُنقل عبره أثر روح الضحية، ويُربط بالعالم الآخر، ليفتح "بوابة عبور".
وهنا كانت الطامة الكبرى ..وجدت في عند نهاية الوثيقة :
" اللاعب: أدهم مراد "
" توافق بنسبة 97% ، الروح جاهزة للاستحواذ بعد تنفيذ الطقس الدموي الأخير."
***
حينها فقط… استيقظت.
فهمت أنني لم أكن لاعباً…
بل مشروعاً...
وبأن العملة لم تكن الثمن… بل القناع.
شعرت حينها أنني لست فقط داخل لعبة… بل داخل دائرة مغلقة، كل ما فعلته سابقاً لم يكن إلا تحضيراً جسدياً ونفسياً لتسلُّم شيء لا أنتمي له.
تيقنت أخيراً بأنني لم أكن سوى ضحية ساذجة قدمت نفسها طواعية، مقابل عملة مشفّرة وسعادة مؤقتة !
***
ما ذُكر أنفاً كان جزءاً من مذكرات أدهم مراد التي رفعها إلى الدارك ويب DARK WEB للتحذير من اللعبة في نفس المنتدى الذي وجدها فيه وجاء كرد على منشورها بعنوان بسيط، صارخ :
" تحذير من اللعبة السوداء – ملف مسرّب من لاعب نجا بأعجوبة."
وفي ختام مذكراته كتب :
إن كنت تقرأ هذه الكلمات، فقد لامست طرف الخيط…
لكن اعلم أن الخيط متصل بشيء يحدق بك الآن...
اللعبة ليست تجربة. إنها مرآة مقلوبة، لا تعكس ملامحك… بل تكشف ما يسكن خلفها.
لا تُكمل الطقس. لا تقرّب القربان. لا تنطق ما لا تفهم.
فما يُفتح لن يُغلق، وما يُستدعى… لا يعود وحده.
هل تأخرت كثيراً ؟
لا أعلم…
لكني ما زلت أسمع الهمس خلفي.
وأخشى أن "باثور" لم يستسلم بعد.
تمت
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .