![]() |
تأليف : كمال غزال |
كان آدم يسير عائدًا إلى منزله في إحدى ليالي الشتاء الباردة. السماء ملبدة بالغيوم، والشارع خالٍ تماماً، باستثناء صدى خطواته الثقيلة. رغم الهدوء التام، كان يشعر بشيء غريب... ذلك الإحساس الذي يتسلل تحت جلدك كأنه همسة من عقل خفي: "هناك من يراقبك."
حاول تجاهل الأمر. ربما كانت مجرد هواجس، أو ربما تأثير الإرهاق بعد يوم طويل في العمل. لكنه لم يستطع طرد الفكرة من رأسه. خطواته بدأت تتسارع، وقلبه يخفق بقوة. شعر ببرودة غريبة تزحف على عنقه، كأن عيونًا غير مرئية تركز عليه من مكان ما خلفه. استدار فجأة. لا أحد. الشارع فارغ كما كان.
عاد لمشيه، لكن هذه المرة، تسارعت دقات قلبه أكثر. كل ظل بدا كأنه يخفي شيئًا، وكل نافذة مظلمة بدت كأنها تخفي شخصًا يتلصص عليه. وللحظة، أقسم أنه رأى انعكاسًا في واجهة متجر زجاجية — ظل غامض يقف خلفه تمامًا. التفت مرة أخرى بسرعة... لا شيء.
وصل إلى مدخل العمارة التي يسكنها، واضطر لاستخدام السلالم لأن المصعد كان معطلاً. ومع كل خطوة يصعدها، تزايد شعوره بالقلق. وكأن المسافة بينه وبين الطابق الرابع أصبحت أطول مما ينبغي. كلما استدار عند زاوية الدرج، شعر كما لو أن شخصًا آخر كان يستدير خلفه بالضبط، لكنه يبقى دائمًا خارج مجال رؤيته المباشرة.
عند وصوله إلى باب شقته، كانت يداه ترتجفان وهو يحاول إدخال المفتاح. شعر فجأة بشيء — ليس ملموساً، بل إحساس داخلي — كأن شخصًا ما يقف خلفه تماماً، ينظر إليه، يراقبه بعيون باردة. لحظة صمت ثقيلة مرت، ثم استدار بعنف… لا أحد. لكنه لاحظ شيئًا غريبًا: باب شقته كان مفتوحاً قليلاً.
ببطء، دفع الباب ليفتحه بالكامل. الشقة مظلمة لكنها ليست كما تركها. شعر بشيء لا يمكن تفسيره. الأريكة تحركت قليلًا من مكانها، الستائر مفتوحة، وعلى الطاولة جلس هاتفه… شاشته مضاءة. قلبه يكاد ينفجر من التوتر. اقترب من الهاتف بحذر ورأى إشعارًا جديدًا: "صورة جديدة محفوظة."
فتح معرض الصور في هاتفه... الصورة التي ظهرت كانت لغرفة معيشته، لكنها حملت شيئًا مقلقاً. ظهر آدم في الصورة، واقفاً عند الباب تماماً كما كان قبل لحظات، لكن ما جذب انتباهه لم يكن هو نفسه. في خلفية الصورة، انعكاس خافت في المرآة كشف عن وجه غامض لم يكن هناك قبل لحظات — وجه مشوه، معتم من جانب واحد، بعينين ثابتتين تحدقان فيه بقوة. لم يكن مجرد ظل أو انعكاس خاطئ... كان حضورًا آخر، صامتًا، لكنه موجود بالفعل.
أسقط الهاتف من يده وهو يتراجع للخلف.
أدرك حينها الحقيقة المرعبة: لم يكن ذلك مجرد شعور… لقد كان يُراقب بالفعل، من مكان لا يمكن للعقل أن يراه — زاوية خارج حدود الرؤية الطبيعية، حيث تعيش "العين الثالثة."
تعقيب
تعقيب
الشعور بوجود شخص خلفك أو رؤية انعكاسات غامضة يمكن تفسيره علميًا كأحد أشكال "الهلوسة الإدراكية" أو نتيجة لتحيزات معرفية في الدماغ. في حالات التوتر أو العزلة، يبالغ العقل في تفسير الإشارات البصرية والسمعية غير الواضحة، مما يجعلك ترى أو تشعر بأشياء غير موجودة فعليًا — وكأن الدماغ يبحث عن تهديدات محتملة حتى في غيابها.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .