24 فبراير 2025

مرآة ماكبث

تأليف: كمال غزال
في إحدى ليالي الشتاء الباردة، كان فيرغوس يتجوّل في سوق التحف القديمة عندما لفتت انتباهه مرآة مزخرفة بإطار ذهبي باهت. 

سأل البائع عنها، فأخبره بأنها نُقلت من قصر اسكتلندي مهجور يُقال إنه كان مسرحًا لمأساة قديمة تتعلق بماكبث. دون تردد، اشتراها فيرغوس وأخذها إلى شقته.

في الليلة الأولى، لاحظ شيئًا غريبًا. عندما حدّق في المرآة، رأى خلفه ثلاث ظلال غامضة. ظنها خدعة بصرية حتى سمع همسات خافتة: "كل من ينظر في هذه المرآة يرى قدره... ولكن الثمن روحه."

ارتعد فيرغوس لكنه لم يستطع الابتعاد.

في الليالي التالية، بدأت المرآة تعرض له مشاهد من ماضيه ومستقبله، لكنها ركّزت على لحظة واحدة مروّعة: مشهد سقوطه من شرفة عالية وسط عاصفة. حاول تجاهل الرؤى، لكنه بدأ يشعر بأن المرآة تتحكم بحياته،  كما سيطرت نبوءات الساحرات على ماكبث.

مع مرور الأيام، أصبح هوس فيرغوس بالمرآة يزداد. كان يقضي ساعات يحدق فيها، مأخوذًا بما تكشفه من أسرار، وكأنها نافذة إلى عالم آخر لا يستطيع الفكاك منه. وفي إحدى الليالي العاصفة، شعر فجأة وكأن شيئًا خفيًا يدعوه إلى الشرفة. صدى همسات المرآة يعلو وسط صوت الرعد: "لم يتبق سوى خطوة واحدة..."

دون وعي، وجد نفسه واقفًا على شرفة منزله أثناء عاصفة ممطرة، تمامًا كما رأى في الرؤى. وقف هناك، ممسكًا بحافة الشرفة بينما الرياح تزمجر من حوله. حاول التراجع، لكن قوة خفية دفعته للأمام، والهمسات تتكرر في ذهنه: "القَدَر لا يُقاوم."
في اليوم التالي، وجدت الشرطة الشرفة خالية، والمرآة محطمة إلى شظايا صغيرة. لم يُعثر على فيرغوس أبدًا. لكن كل من مرّ بجانب شظايا المرآة كان يقسم أنه يرى في انعكاسها رجلاً يسقط في الظلام، إلى الأبد.

كما عكست المرآة مصير فيرغوس، تعكس شاشات هواتفنا اليوم واقعًا مزيفًا، تجذبنا إلى هاوية الانفصال عن الحياة الحقيقية. الإدمان ليس دائمًا على ما هو خارق للطبيعة... أحيانًا، يكفي مجرد شاشة صغيرة لنخسر أنفسنا.

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .