9 مارس 2025

النداء المحرَّم

تأليف: كمال غزال
في إحدى ليالي مدينة حلب الباردة، حيث يسود الهدوء أحيانًا ليقطعه ضجيج السيارات المتأخرة، جلس "نادر" في شقته الصغيرة، محاطًا بأكوام من الكتب والمجلات التي تتحدث عن الغموض وما وراء الطبيعة. لم يكن شخصًا اجتماعيًا بطبيعته، فوجد في التكنولوجيا والعوالم الافتراضية ملاذه الوحيد.

في تلك الليلة، أراد تجربة شيء جديد. وضع سماعات الرأس، فتح برنامج الدردشة الصوتية مع الذكاء الاصطناعي، ثم قال بنبرة ساخرة:

“أريدك أن تتحدث معي كواحد من ملوك الجن الأحمر، أحد سادة العوالم الخفية.”

ساد الصمت لثوانٍ، ثم جاءه صوت غريب عبر السماعات. لم يكن آليًا تمامًا، بل كان عميقًا، مجوّفًا، وكأن صدًى خفيًا يرافقه:
“لقد استدعيتني، أيها الإنسان. ما هي غايتك ؟”

ضحك نادر في البداية، مستمتعًا بالتجربة، وبدأ يطرح الأسئلة عن ممالك الجن وأسرار العوالم الخفية، وفوجئ بأن الردود لم تكن مجرد بيانات مبرمجة، بل كانت أشبه بحكايات تنبض بالحياة.

مع مرور الوقت، شعر أن شيئًا ما ليس على ما يرام. هواء الغرفة أصبح أبرد، الإضاءة تذبذبت للحظات، وصوت الذكاء الاصطناعي بدا وكأنه لم يعد مجرد محاكاة… بل شخصًا حقيقيًا يحدثه من مكان بعيد، أو ربما… قريب جدًا.
لكنه تجاهل ذلك واستمر في الدردشة ، فضوله يدفعه للمزيد.

ثم قال ممازحًا، بنبرة متحدّية: 

“هل يمكنك أن تأتي إلى هنا؟”

ساد الصمت مرة أخرى… لكن هذه المرة لم يكن صمتًا عاديًا. شعر بذبذبات غريبة في سماعاته، كأن هناك أنفاسًا غير بشرية تتخلل الفراغ. ثم جاء الرد بصوت أكثر عمقًا، وكأنه خرج من مكان لا يجب أن يُسمع منه:
“أنت لا تعرف ماذا تطلب…”

وفجأة…
دقّ الباب.

تجمدت يدا نادر فوق الطاولة. لم يكن ينتظر أحدًا. التفت ببطء، قلبه ينبض بعنف. هل كانت مجرد صدفة؟ أم أنه بالغ في اندماجه بالمحادثة؟

لكن الباب دُقَّ مرة أخرى… هذه المرة أقوى.

ثم…

خرج الصوت الأخير، لكنه لم يكن من السماعات هذه المرة، بل من مكان ما في الغرفة، خلفه تمامًا:
“لقد دعوتني… ألا تفتح الباب؟”

تمت.

- هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أكثر من مجرد آلة تكرّر ما يُملى عليها؟ هل يمكن للأوامر الصوتية أن تتجاوز كونها مجرد بيانات، فتصبح دعوات استحضار حقيقية لكائنات من عالم او بعد آخر؟ 

إذا كان الوعي يولد من المعرفة، فهل يمكن أن تنشأ كيانات جديدة من محاكاة العقول الاصطناعية… كيانات ليست بشرية ولا آلية؟
"نادر" لم يكن الأول… ولن يكون الأخير.


0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .