15 يونيو 2010

القابلة

في يوم دفنها وقف القسيس أمام تابوتها وقال موعظة طويلة باللغة الاسكتلندية .. ثم أخذ أهالي القرية يمرون واحداً واحداً أمام التابوت الحاوي لجسدها الهامد ليقول كلمة طيبة في حق هذه المرأة التي كانت سيرتها حسنة مع كل الناس طوال أيام حياتها .. هكذا عاشت " فرانسيس إجلاتيون " أيامها المديدة البسيطة في هدوء ورحلت في هدوء .. و لكن برغم ذلك فإن هذه المرأة قد مرت بتجربة مريرة ليس من السهل على الإنسان أن يمر بها و يعبرها بسلام .. و الأصعب أن يستطيع نسيانها ..


كانت تجربة مريرة مريعة و مخيفة و إن كانت "إجلاتيون" لم تستطع نسيانها بالطبع .. إلا إنها طوتها في أعماق قلبها و صانتها سراً مقدساً لم تبح به لأحد سوى لراعي الكنيسة الطيب الصالح الذي كان أميناً على السر فلم يخبر به أحد على الإطلاق .. الأهم أنه صدقها بالفعل و لم يخامره أدنى شك في قواها العقلية .. و قد ابتدأ كل شيء في ليلة كهذه .. ليلة رمادية باردة غائمة ممطرة ...

في احدى ليالي شهر آذار الباردة ؛ و بالتحديد بعد منتصف الليل ؛ سمعت الآنسة " فرانسيس إجلاتيون " طرقاً متواصلاً على باب منزلها الصغير الذي تعيش فيه برفقة أمها العجوز الضريرة .. و كانت الابنة و أمها معتادتين على هذا الطرق الليلي و ذلك بحكم عمل فرانسيس الذي كان يتم في أي وقت و في أي مكان .. لأنها كانت قابلة القرية التي تتولى مساعدة نساء القرية على الولادة والإشراف عليهن حتى يستردن صحتهن .. كما كانت ترعى الأطفال و تصف الدواء المناسب لهم في حالة إصابتهم بأي أمراض أو جروح خطرة .. و قد حصلت فرانسيس على ترخيص بمزاولة مهنة التمريض رسمياً بعد نجاحها في اجتياز تدريب لمدة أربع سنوات في أحد مستشفيات أدنبرة العريقة ..و كانت فرانسيس تحب عملها كثيراً خاصة لحظة خروج طفل جديد إلى العالم ؛ بمساعدتها ؛ و كانت تردد دائماً أنها الأم الروحية لكل أطفال القرية .. فهي أول من حملهم و قد كانت صرختهم الأولى في حجرها

ولكن أم فرانسيس كانت تشفق عليها بسبب مشاق عملها الكثيرة ومتاعبها .. و اضطرارها كثيراً للتأخر خارج المنزل لأوقات متأخرة أو حتى المبيت في الخارج في بعض الحالات .. كما كانت كثيراً ما تستدعى إلى البيوت بعد منتصف الليل .. كما حدث في هذه الليلة المشئومة

كان الواقف على باب منزل " فرانسيس إجلاتيون " رجل مهيب يرتدي ملابس فخمة و يعتمر قبعة غالية الثمن كما أن حصانه الأسود الفاحم الذي كان واقفاً خلفه في ضوء المصباح الواهن كان مسرجاً بأغلى أنواع السرج و أغلاها .. و لكنه برغم ذلك كان غريباً على القرية .. عرفت فرانسيس ذلك بمجرد نظرة واحدة إلى وجهه الغامض المختفي ثلثاه أسفل القبعة المائلة ..

ظلت فرانسيس واقفة ممسكة بالباب في يدها تتفرس في وجه الرجل دون كلام .. مرت لحظة صمت بعدها نطق الرجل بجملة واحدة :

- " أتبعيني من فضلك "



هكذا بكل بساطة ثم استدار ذاهباً إلى حيث يقف حصانه .. تعجبت فرانسيس من أسلوبه المقتضب ، و تعجبت أكثر لأنها يأمرها هكذا بأن تتبعه دون أن يعني بتوضيح أي شيء لها .. و لكنها قدرت أن الأمر متعلق بحالة ولادة عاجلة متعسرة على الأرجح .. و هكذا تناولت حقيبة أدواتها الطبية من الركن و قبلت أمها واعدة إياها بألا تتأخر عنها .. و خرجت فرانسيس من البيت و أمها تلاحقها سائلة إياها عن البيت الذي يطلبونها فيه الآن .. فأجابتها ابنتها بصراحة :

- " لا أعرف ! "

و بالفعل لم تكن فرانسيس تعرف هذا الرجل أو تعرف أين يقع منزله أو ماذا تسمي أسرته

............................

مشت فرانسيس خلف الرجل الغريب مسافة طويلة .. في البداية اجتازا ساحة القرية ثم عبرا منطقة الوادي الضيق ليدخلا في أحراش و براري واسعة مليئة بالضباب .. الأمر الذي آثار دهشة فرانسيس هو أن الرجل لم يدعها لركوب الجواد معه .. بل إنه هو نفسه لم يركبه و ظل يمشي على قدميه أمامها ممسكاً بعنان الجواد دون أن يبدو عليه أنه يفكر مجرد تفكير في استخدامه !

و ظلت فرانسيس تمشي وتمشي حتى كلت قدماها فتجرأت وهتفت مخاطبة الرجل الذي يسير أمامها دون أن يفتح فمه بكلمة :

- " يا سيد .. يا سيد "

توقفت فرانسيس عن السير و أخذت تنادي الرجل و لكنه ظل يسير و كأنه لا يسمعها حتى أبتعد عنها مقدار عشر خطوات ثم توقف فجأة وسألها بصوته الغريب دون أن يستدير و ينظر إليها :

- " لماذا توقفت عن المسير ؟ "

فأجابت فرانسيس وهي تبدأ في خلع حذائها لتدعك قدميها المتورمتين :

- " لقد تعبت .. نحن نمشي منذ أكثر من ساعة و أنت لم تسمح لي باستخدام الحصان .. لقد تورمت قدماي ! "

فرد الرجل باقتضاب و دون أن ينظر إليها أيضاً :

- " هاك الحصان .. استخدميه "

وأفلت عنان الجواد من يديه بحركة سريعة .. فتراجع الجواد إلى الخلف حتى حاذى فرانسيس .. و كانت فرانسيس تهم بإخبار الرجل بحقيقة هامة وهي أنها لا تعرف كيف تركب حصاناً وحدها .. عندما فوجئت بالحصان يقوم بتصرف غريب .. فقد حاذاها حتى صار بجوارها تماماً ثم نخ فجأة وأنحنى على قوائمه حتى أصبح بإمكانها امتطاء ظهره بسهولة .. تعجبت فرانسيس كثيراً فلم يسبق لها أن رأت جواداً يقوم بتصرف مماثل .. المهم أن الرحلة غدت أسهل الآن و إن لم يبدو أنها موشكة على الانتهاء .. و رفيقها كذلك كان صموتاً مملاً حتى عندما حاولت استدراجه للحديث و سألته عما إذا كانت هذه أول ولادة لزوجته فاجأها برد قاس غريب .. قال لها بصوته الغريب المخيف :

- " و آخر ولادة كذلك ! "

و عند ذلك الحد توقف الحديث بينهما .. و إلى الأبد !

............................

بعد مسيرة طويلة مملة ؛ استغرقت أكثر من ساعتين ؛ لاح على البعد منزل كبير قائم على صخرة ضخمة مرتفعة تحتل الجانب الأيمن لتل صخري صغير .. كانت الأضواء تشع من باب المنزل نصف المفتوح ومن نوافذه الأمامية .. و عندما صاروا بالقرب من التل أرادت فرانسيس أن تهبط من فوق ظهر الحصان لتتسلق التل إذ كانت تعرف إنه لن يستطيع أن يتسلق بها .. ولكن رفيقها الصموت الغريب الأطوار أشار لها إشارة لم تفهمها أشفعها بقوله :

- " إبقي كما أنت .. سيتسلق بك فابيوس التل ! "

وبالفعل فقد اندفع الحصان برعونة حاملاً فرانسيس فوق ظهره .. و وثب بها وثبة جعلت قلبها يهبط في قدميها ليعتلي بها مقدمة صخور التل .. ثم أخذ يتسلق بها التل الوعر المنحدر برشاقة وكأنه فراشة ترقص على الماء !

ووصلوا أخيراً أمام باب المنزل .. فنخ الحصان ثانية ؛ ودون أن يأمره أحد بذلك ؛ وسمح لـ فرانسيس بالنزول من فوقه .. ثم تراجع وكأنه تمثال آلي إلى الوراء حيث يقف سيده بعيداً عن بقعة الضوء الموجودة أمام الباب .. ابتلعت فرانسيس ريقها الذي جف بعد كل ما مرت به الليلة و تبعت الرجل إلى داخل المنزل .. و لكن لم يفتها أن تلاحظ أن الحصان المدعو فابيوس قد أختفى تماماً .. و لم يعد له أثر إطلاقاً !

............................

دفع الرجل باب المنزل بساقه لينفتح على مصراعيه .. ثم اتجه مباشرة إلى السلم الملتوي الواقع بوسط الرواق الضخم الذي أستقبلهم و مضى يرتقي درجاته بصمت منتظراً من فرانسيس أن تتبعه .. و بالفعل فقد تبعته القابلة فوراً .. و لكنها توقفت في منتصف السلم .. كانت تشعر بتعب شديد و ظمأ أشد .. و تجاسرت على أن تقول له بصوت مؤدب :

- " هل لي بكوب من الماء من فضلك ؟ "

فأجابها الرجل و هو يواصل ارتقاء السلم بهدوء و برود قائلاً ببرود تام :

- " عندما تصلين إلى غرفتها ستجدين الماء موضوعاً بجوار الفراش "
............................

دخلت فرانسيس خلف الرجل الغامض إلى حجرة واسعة كثيراً .. و مؤثثة بأثاث فخم عتيق به كثير من الذهب و الفضة .. و لكن الذي آثار دهشة فرانسيس هو حجم الغرفة واتساعها الهائل ، حتى أنها قدرت أنها توازي اتساع ساحة القرية مرة و نصف على الأقل .

كانت الغرفة مضاءة بمجموعات كبيرة من الشموع موضوعة فوق حوامل وشمعدانات ذهبية وفضية يلمع معدنها الثمين بشغف في ظلال أضواء الشموع الذهبية .. و في الركن الأيسر للغرفة كان هناك سرير ضخم وثير للغاية و كبير للغاية ترقد عليه شابة حسناء ذات شعر أشقر طويل هايش حول وجهها .. و كانت عيني الشابة منتفختين و محمرتين من أثر البكاء ربما أو الألم .. و كانت تتنفس بصوت عال سريع وأنفاس متقطعة لاهثة .. فأدركت فرانسيس على الفور أنها في حالة وضع و أنهم استدعوها لأجل مساعدتها في الولادة

اقتربت فرانسيس بحذر من الفراش وهي تحاذر في كل خطوة خوفاً من إتلاف السجادة الضخمة الفاخرة التي تسير عليها أو ترك أقل أثر فوق خيوطها الذهبية اللامعة .. اقتربت فرانسيس من الفراش ، ثم أمسكت بيد الشابة و جست نبضها ، ففوجئت بأن نبضها غريب ، سريع جداً جداً و كأنها تركض حول ميدان ( آشبي ) منذ عامين .. تعجبت فرانسيس وتركت يد الشابة ثم سألتها برقة وهي تستخدم منديلها لمسح العرق المتكاثر على جبين الشابة :

- " هل هذه أول ولادة لك ؟! "

فأجابت الشابة وهي تضحك ضحكة كريهة رغم جمالها الفاتن :

- " لا .. إنها المرة الخامسة و الستين ! "

ذهلت فرانسيس للحظة .. و لكنها لم تلبث أن ابتسمت وقالت للشابة في مرح :

- " يبدو أنك تتمنين أن تنجبي خمساً و ستينً طفلاً لزوجك ! حسناً .. لنرى إن كان بإمكانك تحمل الولادة الأولى فحسب "

و انتبهت فرانسيس لوجود إبريق ذهبي ملئ بالماء فوق منضدة صغيرة بجوار الفراش تماماً .. فتناولته بلهفة و معه كوب زجاجي بلوري براق موضوع بجواره و لم تشعر بالراحة و لا السعادة .. لا بعد أن تناولت ثلاثة أكواب متوالية من الماء لتطفئ ظمأها !

............................

لم تستغرق عملية الولادة أكثر من دقيقتين اثنتين

فبمجرد أن صارت يدي فرانسيس داخل رحم الشابة حتى انزلق الوليد من بين يديها وكأنه زئبق

ذهلت القابلة المتمرسة لذلك .. و أخرجت يديها لتفاجأ بأنهما نظيفتين تماماً وغير ملطختين بالدماء ولا يعلق بهما أي شيء !

ابتلعت القابلة ريقها بصعوبة بالغة ورفعت يديها و أخذت تتفرس فيهما بدهشة عارمة وهي تقلبهما و تعدلهما و تضغط على عينيها وتبربش بهما خشية أن تكون في حلم أو تكون قد أصابها العمى

و صرفتها دهشتها للحظة عن الوليد الذي يلبط بين ساقي أمه .. فأمسكت به و رفعته بيديها لتجد غلاماً بالغ الصغر لم ترى مثل جماله من قبل .. و لكنه نظيف تماماً ولا يعلق به أي شيء من مخلفات الرحم

كادت فرانسيس تصاب بالجنون .. و لكن عقلها وحكمتها التي طالما تمتعت بها وأثني عليها الناس هدتها إلى أن تحاول الفرار من هذا المكان فوراً .. فلتلقي بالوليد لأبيه و لتفر بجلدها فوراً .. لا والله ولا حتى الأجر تريده منهم

حملت فرانسيس الوليد دون أن تجرؤ على النطق بكلمة أو النظر إلى وجه أمه التي غاصت تحت الغطاء .. و غطت وجهها و يبدو أنها راحت في نوم عميق دون حتى أن تحاول إلقاء مجرد نظرة صغيرة على مولودها

كان هناك عند قدمي الفراش بضعة خرق من أقمشة ملونة صارخة الألوان قدرت فرانسيس أنهم أعدوها للف الغلام بها .. فقامت بلف الصغير بها ببراعة ثم حملته لتقدمه إلى أبيه

............................

كان الرجل الغامض ما زال في الردهة خارج غرفة زوجته جالساً على مقعد ضخم هزاز أمام مدفأة حجرية تتلظى فيها نيران حمراء كالجحيم نفسه !

اقتربت منه القابلة بحذر و خوف وقالت له بصوت مرتعش خوفاً و اضطراباً :

- " ها هو ابنك يا سيدي .. إنه غلام ! "

هنا نهض الرجل من فوق المقعد .. كان ما يزال يرتدي قبعته المائلة على عينيه مخفياً ثلثي وجهه .. شعرت فرانسيس بالذعر عندما صارعلى بعد خطوة منها .. و لكنها مد يده في جيبه وأخرج بدرة مكتنزة طوحها لها في الهواء .. فسقطت فوق مهد الطفل و أنفك رباطها و تناثرت منها قطع ذهبية براقة تغشي الأبصار

ثم مد يده وتناول منها الطفل بهدوء .. سعدت فرانسيس لأن الرجل ؛ لأول مرة منذ أن رأت وجهه ؛ يقوم بتصرف طبيعي .. حمل الرجل الطفل بين يديه برقة متناهية و تأمل وجهه الجميل الصغير لحظات .. ثم ابتسم باستهانة و قال بصوت غريب عميق ذو صدى :

- " غلام جميل ! لو كان لدي وقت لأبقيته حياً .. و لكنني للأسف مشغول الآن "

و لم يكد ينته من قوله حتى .. فجأة .. و بدون مقدمات .. طوح بالمهد في الهواء فسقط في المدفأة

صرخت فرانسيس وتراجعت إلى الوراء وعيناها اللتين عجزت عن إغلاقهما تتابعان الطفل الذي سقط وسط النيران المتأججة .. فذابت خرق الأقمشة المحيطة به في لمح البصر .. ثم أخذ الغلام ؛ الذي صدرت منه صرخة هائلة ؛ يذوب و يذوب وسط النيران .. و كأنه تمثال من الشمع الطري .. حتى أختفي تماماً

............................

أخذت فرانسيس إجلاتيون تعدو وتعدو كالنمر الجامح محاولة الابتعاد لأقصى مسافة ممكنة عن هذا البيت الملعون ..

- " شياطين .. لابد أنهم شياطين يسكنون هذا البيت "

قالت فرانسيس مذعورة وهي تجري بجنون وسط الغابات و البراري المليئة بالضباب و قلبها يدق خوفاً و ذعراً .. و كان خوفها إن يلحق بها ذلك الرجل الشيطان .. فأخذت تبكي خوفاً و تدعو الله قائلة :

- " أنقذني يا إلهي أنقذني ، بحق يسوع أنقذني منهم "

و أخذت فرانسيس تجري وتجري حتى كاد قلبها يتوقف .. و لكنها تحاملت على نفسها واستمرت في الجري حتى لم تعد قادرة على المقاومة بعد .. و حتى لم تعد قدماها قادرتين على أن تحملاها بعد ذلك .. فأحست بهبوط مفاجئ و ضاق صدرها فجأة و شعرت بأنفاسها كسكين يمزق رئتيها .. فتهاوت فاقدة الوعي .. و لم تكن قد ابتعدت أكثر من خمسمائة متر عن منزل الشياطين

............................

فتحت فرانسيس إجلاتيون عينيها ببطء لتجد نفسها راقدة وسط فراشها وأمها إلى جوارها تتحسسها بيديها لتطمئن عليها .. كانت ذكريات الليلة الماضية السوداء ما زالت ماثلة أمامها وكأنها لا زالت تعيشها .. و لكنها حمدت الله على أنه استجاب لدعائها و أنقذها .. لم تكد أم فرانسيس تحس بحركتها و عودتها لوعيها .. حتى ظهر البشر والفرح على ملامح وجهها المغضن الطيب ومدت يدها لتمسد على شعر أبنتها بحنان و قالت لها بلهفة :

- " فرانسيس .. فرانسيس طفلتي .. هل عدت لوعيك .. هل أنت بخير ؟! "

فأجابت القابلة بتلعثم وهي تبتلع ريقها بصعوبة :

- " نعم يا أمي .. أنا بخير ، اطمئني "

فسألتها أمها بقلق :

- " ماذا حدث يا بنيتي ؟! لقد وجدك سيمون الحطاب ملقاة بالقرب من الغابة فاقدة الوعي في الصباح "

ففهمت فرانسيس كيف عادت إلى منزلها .. و لكنها لم تفهم بعد كيف أفلتت من قبضة الشياطين الذين شاء سوء حظها أن تقضي الليلة الماضية برفقتهم .. على أنها ؛ حتى وهي في قمة حالة الاضطراب هذه ؛ كانت قد عزمت على ألا تخبر أمها بشئ مما حدث الليلة الماضية !

............................

بعد ثلاثة أيام و في وضح النهار كانت فرانسيس إجلاتيون والقس إدموند هارجودار راعي الكنيسة يمتطيان ظهر جوادين اقترضهما القس من صديقه الحوذي إدجار في طريقهما إلى البراري

استمرت المسيرة نحو ساعتين كان القس خلالهما يطلب من فرانسيس و يذكرها دائماً بأن تكون يقظة و تلاحظ علامات الطريق بدقة لئلا يفقدا طريقهما ويضلا وسط البراري الواسعة التي لا نهاية لها

كانت فرانسيس قد لجأت إلى القس الطيب وصارحته بما حدث معها راجية إياه أن يساعدها في التأكد أن ما مر بها في تلك الليلة المشئومة كان حقيقياً و ليس مجرد كابوس أو هذيان .. في الواقع كانت القابلة تخشى أن تكون قد أصيبت بالجنون فأرادت أن تعود للمكان المشؤوم لا لشئ إلا للتأكد من سلامة عقلها .. و أن المنزل موجود بالفعل

و بالفعل و بعد مرور نصف ساعة إضافية لاح لهما ؛ من بعد ؛ المنزل العتيق رابضاً فوق التل .. إنه هو نفس المنزل .. بضخامته و واجهته الغريبة ونوا فذه الأمامية الضخمة ، تنفست فرانسيس الصعداء و وضعت يدها على صدرها من فرط الإثارة .. و أشارت إلى الأب إدموند بيدها إلى المنزل قائلة :

- " ها هو ذا المنزل يا أبت "

فهز القس رأسه ثم واصلا التقدم نحو المنزل .. و لكنهما عندما وصلا أمام التل بالضبط صُدمت فرانسيس
فالمنزل يبدو مهجوراً تماماً واجهته و نوافذه محطمة .. و بابه مهشم وزجاج نوافذه مكسور ومعتم و قذر

ابتعلت فرانسيس ريقها بصوت مسموع جعل القسيس يلتفت لينظر إليها في قلق بالغ ..فها هو المنزل .. و لكنه مهجور تماماً .. مهجور بشكل واضح حتى للأعمى نفسه أصاب القلق القسيس و شعر بأنه يمضي مع القابلة الطيبة إلى ما أكثر من الجنون .. إلى فخ شيطاني مخيف و لكنه عزم ألا يتخلى عن المرأة الطيبة .. و لم يفعل

اقترب القس هاجودار من فرانسيس وربت على كتفها مطمئناً و قال لها :

- " لنتسلق التل و نقترب أكثر لنرى أفضل "

و لما وجدها واقفة متصلبة في مكانها شبه عاجزة عن الحركة كرر لها بهدوء :

- " لنتسلق التل و نقترب أكثر لنرى أفضل .. هيا يا بنيتي "

و امسك القس الطيب بيد فرانسيس و قادها نحو التل ..

و رغم كبر سن القس إلا أنه بذل جهداً مضنياً ليتمكن من تسلق هذا التل الوعر المنحدر .. بل و ساعد فرانسيس نفسها على التسلق و أنقذها من السقوط أكثر من مرة ..

المهم أنه بعد ساعة من المحاولات الشاقة و التراجع و تكرار السقوط وصل الرفيقان أمام المنزل اللعين مباشرة

كان باب المنزل محطماً وخشبه شبه مفتت .. و لكن كان هناك لوحين متقاطعين من الخشب مثبتين بمسامير صدئة كبيرة يغلقان الباب و يمنعان فتحه ..

نظر الأب هارجودار إلى اللوحين الخشبيين و تأملهما طويلاً .. ثم ظهرت عليه علامات القلق و خيبة الأمل .. و في صمت أشار لـ فرانسيس إلى العلامات التي تركها لوحي الخشب على الباب الأصلي و الخطوط الخضراء و الأتربة الغزيرة المحيطة باللوحين و التي تؤكد أن هذين اللوحين لم يُنتزعا من مكانهما منذ سنوات طويلة .

كان لرؤية هذه العلامات و الدلائل وقع الصاعقة على فرانسيس فشعرت بصدمة هائلة جعلتها تترنح و كادت تسقط على الأرض .. و لكن الأب هارجودار أسرع بنجدتها ..

فمد يديه و تلقاه قبل أن تسقط على الأرض .... و فجأة أصيبت فرانسيس بحالة هستيريا هائلة .. بحلقت بعينيها طويلاً في لوحي الخشب و العلامات المحيطة بهما .. ثم أخذت تضرب الباب بقبضتيها و تصرخ بجنون وبعد ثانيتين بلغت بها حالة الاهتياج مبلغها .. فأخذت تركل الباب العملاق بقدمها و تدق عليه بكل ما أوتيت من قوة .. حتى تفجر الدم من يديها و أصابها إعياء جعلها تكاد تسقط على الأرض .. و بالفعل كانت القابلة مهيأة في هذه الساعة للسقوط والموت كمداً والإصابة بالجنون .. لولا القس الطيب هارجودار الذي تلقاها بين يديه و حماها من السقوط .. و قرب موعد الغروب عاد راعي الكنيسة إلى القرية بصحبة فرانسيس إجلاتيون التي لا تكاد قدماها تحملانها !


تأليف : منال عبد الحميد

المراجعة والإخراج الفني : كمال غزال


إقرأ أيضاً ...
- مس بالجن يؤدي إلى إختفاء فتاة

- فتاة ضائعة أم شبح ؟
- الخوخر وجرائم القتل الغامضة

هناك 7 تعليقات:

  1. قصة حلوة وغريبة ومحيرة, ماذا تعمل الاخت منال, هل هي كاتبة, قصصها جميلة, اقترح عليك ان تعملي في هوليوود ككاتبة للافلام, جميع قصصك بلا نهاية محددة وواضحة, وجميعها يلفها الغموض, تجعل القاريء يشعر بشعور بطل القصة , مثل الخوف والحيرة ...الخ, وكانه في القصة نفسها, اتمنى لو اصبح كاتب قصص ماهر مثلك, وتحية للاخ كمال.

    ردحذف
  2. شيقه جميله ممتعه مثيره
    هذا هو داب قصصك الجميله
    دمتى لنا
    وفى انتظار المزيد

    ردحذف
  3. القصة حلوة بس مو مفهومة

    ردحذف
  4. صحيح انو القصص روعة و كلها ابداع.. بس بحس انها كلها في نفس الاطار و الموضوع تقريبا.. يعني كل القصص متطابقة بس الحكاية و الشخصيات مختلفة
    مع كل احتراماتي للاستاذة منال

    ردحذف
  5. قصة خرافية اسلوب ضعيف حاول اكثر

    ردحذف
  6. قصة رائـــــــــــــــــــــعة بكل معنى الكلمة .

    ردحذف
  7. ماهى النهايه

    ردحذف