22 مارس 2010

لم أكن هناك عندما خرجت روحي !

كنت جالساً إلى مكتبي المظلم أخطط للنيل منهم ..فتحت زوجتي الباب و قالت لي بصوت لم أسمعه من قبل :- "إبق في الداخل .. فالبقاء في الخارج مؤلم " ، أنتابني الغضب عندما سمعت صوتها تركت أوراقي حيث هي .. و أنتثرت واقفاً و أمسكتها من شعرها و أنهلت عليها ضرباً .. ضربتها و ضربتها حتى تفجر الدم من كل قطعة في جسدها .. فجأة رأيتها تسقط على الأرض مغشياً عليها .. تركتها حيث هي و هممت بالعودة إلى مكتبي ، و لكن تجمد الدم في عروقي حينما سمعت صوتها يتردد ثانية بهدوء :- "إبق في الداخل .. فالبقاء في الخارج مؤلم "

كنت ميتاً عندما حملوني إلى المستشفى .. قال الطبيب أنني ميت منذ سبع ساعات .. هراء يا رجل ، لقد كنت جالساً إلى مكتبي منذ ساعة واحدة أخطط للإنتقام منهم وكان الجليد حولي في كل مكان .. ثلج و برد لكنه لم يكن يغسلني أو يطهرني ، كنت أرتجف برداً ، ناديت على زوجتي أن تغطيني فلم تجبني :

- "غطوني غطوني .. دثروني أنا أرتجف برداً "

صحت فلم ينتبه إلى أحد .. بكيت و توسلت لهم ؛ فرداً فرداً ؛ أمي ؛ زوجتي ؛ عمي ؛ أبني الأكبر .. حتى ساعي مكتبي ، بكيت و توسلت إليه أن يغطيني فلم يجبني بحرف .. ما بال هذا الأحمق الذي كان ينتظر أصغر إشارة من يدي .. حتى هم كانوا وافقين أمامي .. الذين كنت أخطط للإنتقام منهم .. كانوا واقفين .. لا كانوا ممددين إلى جواري .. على أسرة غارقة في الدماء ... ترى هل كان سريري أنا الآخرغارق بالدماء ؟!

- "إبق في الداخل .. فالبقاء في الخارج مؤلم "

قالوا أننا أطلقنا النار على بعضنا في الصحراء .. تبادلنا إطلاق النار حتى خررنا جميعاً صرعى .. و لكن لماذا لا يريد أحد أن يغطيني ؟!

بكيت عندما تفحصت الأوراق .. أنا ميت .. أنا ميت .. و لا وقت للتوبة .. فات الوقت و فات القطار و فات العمر .. أنا ميت و لكن لماذا لا يريد أحد أن يغطيني ؟!

كنا نتسابق نحو البوابة .. أنا و هم .. الذين كنت أخطط للإنتقام منهم .. كانت البوابة تقبع بعيدة بعيدة .. كانت على وشك الإنغلاق .. قلت لنفسي لأحثها على الإسراع :" فلنبق في الداخل .. فالبقاء في الخارج مؤلم " !

كنت أجري مثلما هم يجرون و لكنني كنت لا أتقدم بينما هم يتقدمون .. حاولت اللحاق بالبوابة قبل أن تنغلق .. جريت بأقصى ما لدي من سرعة .. طرت ؛ سابقت الريح ؛ عمت في فضاء أبيض ناعم بارد كالثلج .. وصلوا قبلي و دخلوا .. عندما وصلت كانت البوابة قد أغلقت !

- " إبق في الداخل .. فالبقاء في الخارج مؤلم "

ها أنا ذا أسبح في فضاء مظلم بارد .. عاري و بارد و جائع .. أنظر إلى البشر على الأرض فأحسدهم .. ليتني بقيت هناك .. ليتني بقيت في الداخل .. أتوق لصحن شوربة ساخن و قطعة خبز .. أتوق لثوب يسترني و يحميني من البرد .. أتوق لنفس دافيء بجواري .. ليتني بقيت في الداخل .. فالبقاء في الخارج في غاية الإيلام .

نبذة عن المؤلفة
منال عبد الحميد من مواليد عام 1981 وحاصلة علي ليسانس أداب وتاريخ و و تعشق الأدب كثيراً ولها مجموعة من القصص القصيرة وتعتبر الأديب الكبير يوسف إدريس صاحب الفضل عليها في تنمية مواهبها الأدبية وتعمل حالياً في مدرسة لمادة الدراسات الإجتماعية في مدرسة خاصة وتقيم في مدينة البلينا -مصر.


تأليف : منال عبد الحميد

المراجعة والإخراج الفني : كمال غزال




إقرأ أيضاً ...
- تجربة الموت الوشيك : عوارض وفرضيات
- قصص واقعية: رؤى لحظات الإحتضار

هناك تعليقان (2):

  1. القصة رمزية جداً وغير مشوقة على الاطلاق ولاممتعة ........

    ردحذف
  2. لم افهم شئ ارجو التوضيح شكرا

    ردحذف