24 مارس 2025

بذور الليل الكوني

تأليف : كمال غزال
في ليلة حالكة الظلام، كان "سامح" يقود سيارته على طريق منعزل، عائدًا من مهمة متأخرة لتسليم وثائق عمل كان قد أجلها طويلاً. فجأة، اخترق الظلام وميضاً أحمر غامضاً اقترب ببطء من زجاج النافذة. لم يتسنَ له التفكير؛ انطفأ وعيه كشمعة في عاصفة، لتجذبه قوة خفية داخل مركبة فضائية. استفاق ممدًا على سرير معدني بارد، جسده العاري ملفوف بغطاء رقيق من مادة رمادية ناعمة كملمس الجلد، بينما أوثقت أطرافه بأحزمة مضيئة تتوهج بأنوار خضراء تثير في نفسه مزيجًا من القلق والترقب. كان الهواء حوله كثيفاً، مشبعاً برائحة معدنية غريبة تخترق أنفه، وقلبه ينبض بقوة كمحرك يائس يبحث عن معنى لما يحدث !


فجأة، انزلق باب الحجرة بهدوء ليدب فيه الذعر، حيث تسللت إلى الداخل أنثيان فضائيتان عاريتان تماماً،  وقفتا أمامه فيما عيناهما الواسعتان السوداوان المتوهجتان تتفحصانه بنهم غريزي ، ثم أمالتا رأساهما في انسجام غريب لينطلق من أفواههما سائل لزج أبيض لامع، نثراه كرذاذ دقيق غمر جسده كالمطر الدافئ وتألق على جسده كالنجوم . كان السائل يحمل حرارة خفية، أيقظ فيه إحساسًا حارقًا ومثيرًا جعله يرتعش تحت الغطاء وأخمد معه مشاعر الذعر التي أحس بها في البداية، كأنهما تعمدتا إشعال حواسه استعدادًا لما سيأتي.

"أنت بذرتنا ..." نفثت الأولى الكلمات في ذهنه تخاطريًا، ثم انزلقت فوقه بسلاسة كظل يذوب في الضوء. اقتربت الثانية من جانبه وكانت أنفاسها الساخنة كفحم ملتهب كاد يذهب ببرودة معدن السرير من تحته. تناوبتا عليه في رقصة كونية محمومة ، كانتا تستخدمان جسد سامح  لزرع "المحصول" في رحميهما الفضائيين. الأولى، بجسدها النحيل المتلألئ، تحركت فوقه بإيقاع يشبه نبض نجم بعيد، بينما الثانية جثمت فوقه بوضعية الحصان، ساقاها المتباعدتان كشف عن شعر عانتها الأحمر الفاقع الذي يشبه سعف النخيل في شكله المتفرع الجامح. كان ذلك الشعر يتأرجح كغابة قرمزية صغيرة مع كل حركة، مما أضفى على المشهد جاذبية وحشية وغامضة جعلت دماء سامح تغلي في عروقه، كان مزيجًا من الرهبة والانجذاب اللاواعي.

وفي ذروة هذا الطقس، انطلقت منهما أصوات غريبة: الأولى أطلقت همهمة عميقة تشبه نعيق البوم في ليلة بلا قمر، بينما الثانية رددت أنيناً مرتفعاً كتغريد طائر غريب يرفرف في سماء مجهولة، يعلو ويهبط مع كل رعشة. كانت الأحزمة المضيئة تشتد حول أطرافه أكثر مع كل حركة من رقصتهما البيولوجيا كأنها ترسخ حضوره في قلب هذا العالم الآخر حتى شعر أن روحه ذابت فيهما.

عندما أنهتا مهمتهما، ابتعدتا خطوة، وأشارتا بأناملهما الطويلة إلى أسفل بطنيهما، كأن علامات خفية أعلنت استقرار البذرتين. ثم كالسحر ارتفعت أمام عينيه المذهولتين خريطة ثلاثية الأبعاد تتوهج في الفراغ، تكشف عن مجرتنا درب التبانة، ثم تتقلص إلى لقطة مقربة لكوكب أزرق يشبه الأرض، يدور حول نجم أحمر قزم قيل له تخاطرياً أن اسمه "إريباسوس" ، لم ينبسا بكلمة أخرى، وما هي إلا لحظة حتى غرق في ظلام اللاوعي.

أفاق لاحقاً ليجد نفسه داخل سيارته المهجورة على جانب الطريق، جسده مازال مبللاً ببقايا ذلك السائل اللامع، أما رأسه كان يتأرجح بين الواقع وذكريات ما حدث. التفت حوله فلم يجد أثراً للمركبة أو للمخلوقتين ، سرت قشعريرة في أوصاله، ليس من البرد وحده، بل من شعور غامض بأن هذا الاختطاف لم يكون الأخير. 

نظر إلى ساعة السيارة، فاكتشف أن ساعتين كاملتين قد تبخرتا مع مختطفيه ، وكان يفكر :"ربما يراقبونني الآن .... ينتظرون لحظة أخرى لزرع المزيد من المحصول !"،  أدار المحرك وعيناه تجوبان السماء المعتمة،  يتساءل في قرارة نفسه متى سيرى ثمرة هذا اللقاء... وما الذي سيجلبانه في المرة القادمة ... مع أنها تجربة مروعة إلا أنها لا تخلو من لذة غريبة بنكهة الفضاء ، عاهد نفسه في صمت أن يدفن هذا السر في أعماقه، بعيداً عن أي أعين بشرية.


تعقيب 
هذه القصة مستوحاة من تجارب واقعية رواها أشخاص زعموا أنهم واجهوا كائنات فضائية، من بينهم قصة اختطاف أنطونيو فيلاس، الذي ادعى أنه اختُطف وعاش تجربة مشابهة في البرازيل عام 1957، مما يضفي على هذه الرواية طابعاً يمزج بين الخيال والحقيقة المزعومة.

في المجتمعات الإسلامية، غالبًا ما تُعزى تجارب الاختطاف أو التفاعلات الخارقة إلى الجن، وهي كائنات غيبية مذكورة في القرآن والتراث الإسلامي، تُعتبر جزءًا من العالم الروحي وليست كائنات فضائية مادية. يرتبط تفسيرها بالدين والمعتقدات الروحية، حيث يُنظر إليها كاختبار أو تدخل خارق قد يكون له أغراض شيطانية أو عقابية. أما في الغرب، فتُفسر هذه التجارب عادةً على أنها اختطافات من مخلوقات فضائية، متأثرة بالخيال العلمي والثقافة الشعبية مثل الأفلام والروايات، مع تركيز على التكنولوجيا والاستكشاف الكوني بدلاً من الجوانب الروحية.

ومن وجهة نظر علم النفس، قد تُعزى مثل هذه التجارب إلى ظواهر مثل شلل النوم، حيث يستيقظ الشخص جزئيًا ويعاني من هلوسات واقعية مصحوبة بشعور بالضغط أو الاختطاف، وهي حالة شائعة تتأثر بالثقافة في تفسيرها. كما يمكن أن تكون مرتبطة باضطرابات مثل الاضطراب الوهامي أو الفصام في حالات نادرة. أما بالنسبة للاعتداءات الجنسية في الطفولة، فلا يوجد دليل علمي مباشر يربطها بشكل قاطع بتجارب الاختطاف (سواء جن أو فضائيين)، لكن الصدمات النفسية قد تؤدي إلى اضطراب ما بعد الصدمة، الذي يمكن أن يظهر في صورة كوابيس أو تخيلات غريبة، لكنها ليست السبب الوحيد أو الأساسي وراء هذه الروايات. غالباً ما تكون التفسيرات مزيجاً من العوامل البيولوجية (مثل كيمياء الدماغ) والثقافية (توقعات المجتمع).


0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .