تأليف : رقية أبو الكرم |
ليالٍ طوالٌ أقضيها في وحشة الليل، تـُطرق عليّ الأبوابَ، يقف خلفها المستغيثون، وحباً بالله؛ ألبّي النداء. نهاري شاقٌ بما يكفي لأغفو وأريح جسدي من عناء اللف ما بين البيوت، أتفقد كل ذات حمل؛ لأساعدها على وضع حملها. كانت ليلةٌ هادئة، تغريني لأنساب في فراشي الهادئ. تمددت في خلوة الفراش، كنت أسترجع أشواقي إلى زوجي الغائب. ما إن هممت لأنام، حتى سمعت أصواتاً تثرثر؛ فتقلق مضجعي. ساقني الفضولُ لأبحث عن مصدر تلك الثرثرة.
اقتربت من باب الدار، كان الصوت أقرب إلى مسمعي، يسوقني الخوف والفضول لأختلس النظر من خرم الباب... ثمة رجلان بعمامتين بيضاوتين، وجلبابين يدلان على أنهما من أهل البادية، كانا يتخاصمان، وجدل حاد يدور بينها, أكاد أفهم الكلام، أفتح الباب بهمة وشجاعة، أداري خوفي وراء صوتي المرتعد:
- ماذا تريدان ؟
يرد عليّ أحدهما :
- زوجتي في حال مخاض، نحتاجك معنا لتساعدينا.
أجبته بعد تردد:
- عذراً لا استطيع الخروج، هذا وقت راحتي.
فتوسل :
- أرجوك... زوجتي بحال سيئة، وقد أشار علينا (أبو همّام) أن نأتي أليك لتساعدينا، نحن غرباء عن هذه القرية.
تأنيت قبل أن أقبل عرضهما، فأبو همام من مشايخ القرية، صاحب دين وكلمة. لم أستطع أن أرد طلب سائل أرشده إليّ أبو همام. قبلت العرض، عدت إلى الدار لألملم عدّتي في صرة.
ما كان يطمئنني أكثر أن الطيبة بدت على وجهيهما، ولم تدل هيأتهما على أنهما لصَان، او قاطعا طريق. عزمت على المضي معهما، توكلت على الله. وصلت إلى باب السيارة التي ستقلـّنا، حين ركبتها زاد اطمئناني أكثر، كانت سيارة فخمة، تفصِح عن رجلين ثريين.
الطريق طويلة وحالكة الظلمة، ظلا في صمت طوال الطريق، لم يتحدثا بكلمة حتى وصلنا بلدة (لوق)، سبق أن قصدتها من قبل.
توقفت السيارة عقب بيت، بدا على أهل البيت الترف والثراء، أبوابه مزينة بزينة لم آلفها من قبل، لم أسمع عنها إلا في حكايات زوجي التي يقصها عليّ، بعد عودته من سفره، حين تصادفه في الطريق منازل الأثرياء من أهل اليمن.
تباطأت خطواتي وأنا أدخل بحذر مذهولة، لما رأت عينيّ من زخرف على جدران الدار. وصلت غرفة واسعة، لا أرى لها نهاية، ولا باباً يوصلني إلى مكان آخر، أو رواقاً يلج بي إلى ما بعده. نادى عليّ أحدهم، التفت إليه، فوجئت به على بعد ذراع مني، بنظرة فزعة وصوتٍ مرتعش قلت:
- أين هي زوجتك التي تلد ؟!
ألح عليّ قبل ان يرد، بأن لا استعيذ بالله منهما :
- سأخبرك بأمرنا يا سيدتي، نحن لسنا من البشر، نحن من الجن المسلم، وقومنا لا يساعدوننا إن طلبنا منهم المساعدة. زوجتي معسرة في الولادة، كل ما نريده أن تساعدينها على الوضع، ثم نعيدك إلى مكانك، ولك عشرة أضعاف أجرك.
وجل قلبي من كلامه، لم أستطع أن أرد عليه بكلمة من هول المفاجأة. وجهه كوجوه البشر، لا شيء يصادق على الرواية سوى كلامه، حقيقة أصله والبيت الذي يسكنه، فيه شيء من الريبة! كنت سأطلب منه أن يذهب بي إلى المرأة الموضِع لأطلع عليها، قبل ان أتفوّه قال رفيقه :
- ادخلي عبر هذا الباب.
أجبته بحيرة بدت على وجهيّ:
- أي باب أدخل عبره ؟ لا أرى باباً في هذه الحجرة !
طلب مني ان ألتفت خلفي ولا أزيد في الكلام، حالما ألتفتّ أصابني الذهول و وشعرت بخوف، شاهدت باباً كبيراً مرصعاً بقطع فسيفساء براقة، تعكس ضوءً يغشي عليّ بصري. تقدمت، دخلت غرفة واسعة محفوفة بجدران مزخرفة، لم أشهد لها مثيلاً، يتوسطها سرير على طرفيه قرابة ثلاثين كرسياً، وعلى كل كرسي صحن فيه بعض العظام.
تقدمت صوب المرأة المستلقية على السرير، كنت خائفة ومذهولة، قلبي يخفق وأنا أتقدم أكثر، امرأة جميلة ساكنة، يعتصرها الألم بين الحين والآخر. بدت وكأنها تبكي بلا صوت ولا دموع ! بدأت أنسى أمر الخوف معها، هممت أن أساعدها كغيرها من النساء. اقترب منها، أخذت تتقلب بسرعة لم آلفها من قبل، ثمة ماء بارد، وبعض المناشف والدهان.
دنوت منها، بدأت عملي، التقفت رأس الطفل، قبض شكله قلبي، تسألت مع نفسي أ هو شكل الجن الحقيقي؟ أم أنه يشبه شيء آخر؟! عينان كبيرتان بيضاوتان لامعتان تحيطهما هالتان رماديتان، ما إن التقفته بين يدي حتى تغير شكله، صار كطفل من البشر. ارتعدت خوفاً حين قفز من بين يدي بسرعة لم أتوقعها، جلس على أحد الكراسي، بدأ يلتهم العظام التي كانت في الصحن. انتبهت إلى طفل ثانٍ، راحت المرأة تلده.
استمر معي الحال حتى آخر طفل خرج من رحم أمه، وجلس على آخر كرسي في الغرفة. ابتلت ثيابي وأنا أتصبب عرقاً، ويداي ترتعشان خوفاً، كاد قلبي يتوقف من سرعة ضرباته القلقة، نزلتْ المرأة عن السرير بكامل قواها، وكأنها لم تلد ثلاثين طفلاً تواً ! أصدرت صوتاً غريباً من فمها، كأنه صفير هواء، كانت حركتها سريعة بما يكفي لتوقعني في صدمة ! أقف صامتة بعد أن إلتفت خلفي، ولم أجد الأطفال ولا الكراسي... كأن شيئاً لم يكن !
أتت إلي ببعض الثياب، وطلبت مني أن أغير ثيابي المبتلة من عرق الخوف والفزع. مددت يديّ المتباطئتين المرتعشتين بلا قوة، غيرت ثيابي، أدركت أن وقت الفجر قد حان، طلبت منها أن تدلني على مكان للوضوء كي أصلي. صليت الفجر، قرأت بعض الأدعية، وبتلقائية استعذت بالله منهم، وأنا استذكر ما مر بي.
كأن الزمن قد توقف، بدوت معلقة بين السماء والأرض، شلت حركتي ولم أعد أعِ إن كنت نائمة في حلم أم لا، تحسست جسدي، كانت يدي تلامس جسدي العاري، ثمة آلم آخر مطعون في جسدي.
أصوات تقترب مني، عواء قطط وصراخها وهي تتقاتل فيما بينها، فتحت عيناي، واذا بي مُلقاة في مكب للنفايات قرب نهر في لوق ! هكذا استيقظت ووجدت نفسي عارية هناك. كمجنونة أركض، حتى وقعت بين يدي رجل طاعن في السن. كل ما استطاع فعله هو أن ينزع عمامته ويلقي بها عليّ، ثم هرب هلعاً مما رآه.
كلما مررت بـ (لوق)؛ بحثت عن دليلٍ لأقنع نفسي بحقيقة، أثبّت بها عقلي. هل كنت في حلم؟ هل الأحلام تقذف بنا كل تلك المسافات، وتخلع عنا الثياب؟ أم كنت في غيابت عالم آخر، عالم لا أذكر منه سوى خوفي من كل طارق يطرق عليّ الباب ليلاً.
ملاحظة
هذا إخراج فني قامت به الكاتبة رقية أبو الكرم وهو مستند إلى وقائع تجربة واقعية سبق أن نشرت على موقع ما وراء الطبيعة وتحمل نفس العنوان وتجدها هنا . ، وبلدة لوق تقع إلى الجنوب الغربي من الصومال ، وتقع في فم نهر يحيط بها بشكل أنشوطة (حلقة) وهو شكل تضاريس غير مألوفة.
ملاحظة
هذا إخراج فني قامت به الكاتبة رقية أبو الكرم وهو مستند إلى وقائع تجربة واقعية سبق أن نشرت على موقع ما وراء الطبيعة وتحمل نفس العنوان وتجدها هنا . ، وبلدة لوق تقع إلى الجنوب الغربي من الصومال ، وتقع في فم نهر يحيط بها بشكل أنشوطة (حلقة) وهو شكل تضاريس غير مألوفة.
بصراحة شكرا للكاتبة اشجعها على الكتابة بكل اشكالها ولكن ماذا لو حاولنا ان نكتب في امور اهم من هذا فقد مللنا خرافات الجن و والارواح التي باتت هاجسنا الوحيد ،،هاجسا في هذا العالم العربي الحزين..الملئ بالجراح ..صديقتي الكاتبة ..حاولت ان اجد بعض النقد في ثنايا كتاباتك واكن للأسف لم اتطرق لغير نسج خيالي واضح وان كان في ثناياه نقد جميل لم يصلني فمعذرة عزيزتي ..محبتي..
ردحذفقصة رائعة وجميلة سبحان الله
ردحذفمرحبا الخط مو واضح ممكن توضحونة
ردحذفيمكن ان تصححي القصة فهم يلدون بسبعين نفر
ردحذفقصة ممتعة وجميلة ولكنها خرافة في خراقة
ردحذفقصة جميلة جداااااااااااا
ردحذفقصة جميلة
ردحذفاخبرتني امي بنفس القصة حدثت في قريتها من زمن قديم في منطقة بلاد القديم في البحرين ولكن بعض الاحداث مختلفه وهي ان الداية (الولادة)في يوم من الايام كانت تتغدا مع زوجهاوهي امرائه طاعنة بالسن وعند فرشها لسفره واذا بقطة سوداء حامل تقترب من السفره فقالت لهاعن طريق المزاح ابتعدي والا سوف اولدكي وعند حلول الليل وادا بالطارق يطلب مساعدتها لتوليد زوجته فذهبت معه والطريق طويل وفي الظلام بين النخيل والاشجار دخلت لمنزل من سعف النخيل وبداة تولدها وبعد ذلك اعطاها الزوج مبلغ كبير واعادها واليوم الثاني عند استيقاضها رات في بيتها هدايا وطعام ولمدة سبع ليلي كانت تذهب لهم لنفاس هده الجنيه من غير لا تعلم بذلك وبعدها بفتره علمت بانه تلك القطة السوداء هي المراه الحامل
ردحذف