لم يكن البارون " منليك " ينقصه المزيد من الفتيات.. الحقيقة أنه تعب من إنجاب البنات على مدار اثني عشر عاماً وهبه الرب خلالها عشر فتيات والحقيقة أن الرب كان كريماً معه ، فلم يسقط أي حمل لزوجته و لم يفقد أي مولودة له ودائماً ما تمنى لو كان الرب أقل كرماً معه و أكثر تحديداً ، فبدلاً من عشر فتيات كان بإمكانه أن يمنحه غلامين فقط ليرثا أملاك عائلة " منليك " الشاسعة التي تمتد على مساحة ثلاث مقاطعات في جنوب فرنسا و يحتفظا باسم العائلة الأرستقراطية العريقة التي تعد أعرق و أكبر أسرة في فرنسا الملكية ، لو كان من ( التتار ) المسلمين لأمكنه الزواج من أخرى لعلها تهبه الغلام المنشود ، بل ليته على الأقل كان لوثرياً أو كلفينياً إذاً لأمكنه أن يطلق زوجته بسهولة و يتزوج بأخرى ، ولكن آه من هذه المرأة " جوليا بولنتادور" قريبة البابا بيوس الرابع " ، هل يجرؤ على التفكير في التحول عن الكاثوليكية أو الحصول على الطلاق !
إذاً لفقد كل أملاكه و مركزه العائلي الممتاز .. و لحرمه البابا و كان مصيره ديوان التفتيش ، فليس أمامه سوى الإنتظار حتى تتمخض مفرخة البنات عن الصبي المعجزة !
كانت كل هذه الأفكار تدور في رأس البارون " فرانسوا منليك " و هو يدور كالمجنون في باحة قصره الخارجية منتظراً انتهاء زوجته من ولادتها الحادية عشرة أو على الأصح من خيبتها الحادية عشرة !
إنه للأسف يتذكر كل يوم ولدت له فيه بنت فعندما ولدت " جوليا " البكر سمية أمها ؛ قيل له يومها أن مجيء البنت في المرة الأولى بشرى بطوفان من الذكور يلونها !
وسميت جوليا باسم أمها و عُمدت على يد البابا نفسه ، هل كان يمكن حينئذ ألا يتظاهر بالسعادة أمام الناس و أمام زوجته .. وقبلهم أمام نفسه !
ولم تكد جوليا تجلس على حجر أمها حتى لحقت بها بولين ، و بمجرد أن نطقت بولين أول كلمة ( بابا ) حتى هبطت صوفيا فوق رأسها و رأس البارون الذي بدأ يفقد صبره و يساوره الخوف من أنه لن يحظى بالغلام المنشود ، على الأقل في الأجل المسمى !
ومشت صوفيا مبكراً ولكن قدوم ماريانا أصابها بالغيرة القاتلة فتعسرت و مرضت وعادت للحبو من جديد ، وكانت " ماريانا " شقراء بالغة الجمال والحق أن البارون أحبها أكثر مما أحب أي واحدة من بناته السابقات أو اللاحقات ، ولا يدري إذا كان ذلك بسبب إنها أكثر بناته شبهاً به أم لأنها الوحيدة التي تركت له زوجته مهمة تسميتها بنفسه أم لأنها في النهاية حملت اسم والدته الحبيبة المرحومة !
آه والدته .. ليته استمع إليها من البداية !
قالت له أنه سيتورط بزواجه من قريبة للبابا ولن يستطع بعد ذلك أن يفتح فمه أمامها وهل بإمكانه أن يغضب القريبة العزيزة للرجل الذي يخافه ملك فرنسا نفسه و يرتعد بين يديه ؟!
قالت له أن بنات ( شمبانيا ) هن ماكينات إنجاب بنات فلم يصدقها و لم يأخذ كلامها على محمل الجد وها هي ذي النتيجة :
أصبح أباً لعشر فتيات وزوجاً مرتعباً أمام ابنة عم البابا الـ 00 !
و لم يطل انتظار البارون هذه المرة والحق أن زوجته بدأت تسجل أرقاماً قياسية في ولادتها الأخيرة فقد قذفت شنتال ؛ البنت قبل الأخيرة ؛ إلى الحياة في أقل من عشر دقائق أما البنت الأخيرة ماري فقد كان مولدها معجزة ، فقد ولدتها أمها وهي تغط في النوم ولم يوقظها إلا صرخات الخادمة حينما رأت شيئاً يتحرك تحت اللحاف وسمعت الصرخات الأولى للبنت و لولا مجيء الخادمة بدون سبب لكانت البنت الآن في عداد الموتى .
و على حين غرة لمح البارون ؛ بينما هو غارق في أفكاره غير السعيدة ؛ مساعدة الطبيب تهرع نحوه وعلى وجهها تعبير يعرفه جيداً تلاشت كل أفكار البارون و أصابه وجوم مفاجيء و وجد نفسه عاجزاً عن النطق للحظة و تجمد مكانه حتى وصلت إليه الممرضة التي لم تنطق بدورها فقد كانت تعرف أن البشرى التي تحملها تستحق عليها ...عضة كلب !
و أخيراً أستجمع البارون شتات نفسه وسأل الممرضة بحذر :
- " ماذا ؟! بنت أخرى ؟! "
و لكن الممرضة هزت رأسها نفياً و ما زال الوجوم يخيم على وجهها العابس فعاد البارون يسألها بلهفة و قد عاوده قليل من الأمل :
- " ماذا إذن .. ولد ؟! "
و لكن الممرضة هزت رأسها نفياً مرة أخرى ولكن و قبل أن تأخذ الحيرة بمآخذ البارون نطقت الممرضة أخيراً وقالت بخوف :
- " بنتين !! "
..........................
بعد عام واحد كان البارون قد تعافي من أثر الصدمة المريعة التي حلت عليه يوم مولد فتاتيه التوأم " جولييت "و " كولييت " و ربما كان الفضل في تعافي البارون من هذه الصدمة يعود فقط لأبنته الحبيبة " ماريانا " التي نجحت وحدها بفضل جمالها الأخاذ و حنانها الدافق وتعلقها الجنوني بأبيها في نسيانه لمأساته أو على الأقل في إلهائه ؛ و لو قليلاً عنها .. وطوال خمسة أعوام لاحقة توقفت زوجته عن الحمل و الولادة وأعتقد طبيبها الخاص أنها تعرضت لتلف خطير في الرحم في الولادة الأخيرة جعل من الصعب حدوث حمل جديد وأعلن الطبيب مخاوفه هذه دون حذر فسبب للبارون حزناً وغماً لا يوصف فقد أصابه يأس قاتل وأصبح على ثقة من أنه لن يحظى بالوريث المنشود أبداً !
وخلال الخمسة أعوام هذه تزوج الشقيق الوحيد للبارون " جوستاف " من فتاة قروية من أصول وضيعة فثارت ثائرة البارون لهذا الأمر والحق أن ثائرة زوجة البارون هي التي ثارت أولاً وحرضت زوجها على التصدي لأخيه و محاولة إيقاف إتمام هذه الزيجة إذ كيف تقبل قريبة البابا أن تكون نسيبتها فتاة قروية وضيعة كانت تعمل خادمة في أملاك الأسرة ؟!
و لكن الزيجة تمت رغم أنف البارون و أنف زوجة البارون وأصبحت الفتاة الوضيعة زوجة لفرد من عائلة " منليك " و دخلت قصور الأسرة الفخمة لتلد فيها صبيين في ثلاثة أعوام !
و كانت هذه الضربة الأخيرة هي التي أفقدت البارون كل توازنه و تعقله فاندفع في مشاجرات ومشاحنات يومية مع زوجته وأصبحت الحياة بينهما لا تطاق حتى أن الخدم أصبحوا يفرون من القصر ولا تنجح كل الإغراءات المادية التي تقدم لهم في استبقائهم .. وكانت كل مخاوف البارون سببها أن شقيقه الآن أصبح لديه ولدين ومن حقه أن يرث كل أملاك الأسرة باعتباره والد الوريثين الشرعيين الوحيدين ، وهكذا لن ترث بنات " منليك " شيئاً على الإطلاق بل ربما أستطاع شقيقه أيضاً أن يجرده من أملاكه في حياته ويضطر البارون العتيق وعميد عائلة " منليك " إلى طلب الإحسان من أخيه أو التسول في شوارع باريس !!
و عندما حملت زوجة الأخ الأصغر للمرة الثالثة و قيل رجماً بالغيب ؛ أنها تحمل غلاماً ثالثاً تفجر الغضب والخوف في قلب " فرانسوا منليك " و أصابته حمى غريبة ظل صريعاً لها ثلاثة أشهر متتالية وصار عصبياً لا يطيق أحد و لا حتى عزيزته " ماريانا " نفسها !
و لم يتعافى البارون و لم يبدأ في استرداد صحته إلا عندما سمع نبأ خبر حمل زوجته للمرة الثانية عشرة !
..........................
هذه المرة كان البارون منتبهاً تماماً ومتابعاً لزوجته يوم بيوم في حملها وكان هذا الأمر غريباً جداً بالنسبة للزوجة " جوليا " التي لم ترى من زوجها اهتماماً يذكر بها أو بحملها بعد مولد " صوفيا " ؛ البنت الثالثة ؛ و سرت لذلك الأمر و بدأت تعيش دور العروس الحامل بكل دلاله و جماله ، كان من في القصر كلهم ؛ بما فيهم البارون و البارونة ؛ يسيطر عليهم إحساس قوي وصل لدرجة الإعتقاد بأن المولود القادم سيكون ذكر ، وريث البارون المنتظر !
و دون ترو بدأ البارون في الإعداد لوصول وريثه المنتظر وأحضر الكثير من اللوازم و المتطلبات الخاصة لاستقبال غلامه العزيز الذي طال اشتياقه إليه .. و اشترى مهر عربي أبيض باهظ الثمن له شهادة نسب عليها خاتم سلطان عمان شخصياً ليكون أول حصان يتدرب البارون الصغير على الفروسية عليه .. حتى زجاجات النبيذ و الشمبانيا الفاخرة خزن منها البارون كميات مهولة لحفل تعميد طفله العزيز !
و مضت الأيام أبطأ مما كانت عادة في أي حمل سابق للبارونة " جوليا " التي كانت تحيا ؛ و يحيا كل من حولها معها ؛ في هذا الحلم اللذيذ الجميل .. بل في هذا الوهم الملون البديع !
و ذات صباح من يوم اثنين مشمس بديع وبينما كانت البارونة تتمشى الهوينى في الحديقة جيئة و ذهاباً ؛ كما نصحها طبيبها ؛ أحست بآلام حادة مفاجئة تمزق جسدها ، لم تكن آلام طلق فآلام الطلق تأتي متدرجة من الضعف إلى القوة ومتقطعة على فترات زمنية قصيرة ولكن هذه كانت آلام مبرحة غريبة لم تجربها البارونة من قبل رغم ولاداتها الإحدى عشر ،كما لم تكن مقتصرة على منطقة الرحم أو البطن فقط بل كانت البارونة تشعر كأن جسدها كلها من أخمص قدميها حتى جذور شعرها تغلي و كأنها توشك على الانفجار !
و صرخت البارونة و سقطت أرضاً بين أيدي وصيفاتها وجاء البارون على عجل .وحُملت البارونة إلى غرفتها و تم إستدعاء الطبيب الذي جاء على عجل متعجباً من تبكير الولادة عن موعدها ثلاثة أشهر كاملة . إنه لم يرى ولادة تتم في الشهر السادس من الحمل من قبل !!
و كان أكبر ما يخشاه البارون أن يكون طفله قد مات في رحم أمه أو أن يكون على وشك الاحتضار لذلك فقد جاءت الولادة مبكراً ..
و بمجرد أن وصل الطبيب حتى قام بفحص البارونة بدقة متناهية أعلن بعدها إن الولادة ما يزال أمامها ثلاثة أشهر و أن الآلام التي تعانيها ليست آلام ولادة على الإطلاق !
أصيب البارون بدهشة شديدة و سأل الطبيب متعجباً ؛ وسط صرخات زوجته المدوية التي تتلوى ألماً أمامه ؛ عن سبب هذه الآلام المبرحة إذا لم تكن آلام ولادة .. فهز الطبيب رأسه نافياً أن يكون لديه تفسير قطعي لحدوث ذلك الأمر الغريب ، و محاولاً تفسير الأمر بفرض أن التلف الذي أصاب رحم البارونة في الولادة الأخيرة قد يكون مسئولاً عن حدوث هذه الآلام الشديدة .. و أشفع الطبيب إعلان رأيه الحاسم بإعطاء البارونة كميات من أحد المسكنات مكتفياً بذلك !
و تناولت البارونة المسكن فهدأت الآلام قليلاً ، وأخيراً قرب الفجر تمكنت من أن تحظى بشيء من الراحة .. و لكنها قبل أن يكتمل شروق الشمس هبت صارخة و قد عاودتها الآلام .. أعنف و أوجع من المرة الأولى !
و ظلت البارونة شهر كامل على هذه الحال .. تعاني الآلام ليل نهار ولا تكاد تتناول طعاماً أو شراباً حتى كرهت نفسها وصارت تتمنى أن يسقط الجنين الذي في رحمها أو تموت هي و تستريح من هذا العذاب !
أما البارون فقد كان حزيناً على ما يحدث لزوجته طبعاً ولكنه من ناحية أخرى كان لديه شعور غريب أن ما يحدث هذه المرة دليل قاطع على أن زوجته لا تحمل بنتاً مثل كل مرة وقد صدق إحساس البارون في ذلك فالبارونة بالفعل لم تكن تحمل بنتاً ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنها تحمل ولد !!
..........................
و أخيراً في نهايات الشهر السابع من الحمل حدثت تغييرات غريبة في حمل البارونة .فقد تدلى الجنين إلى أسفل في الحوض حتى أصبح بطنها كالكرة المنفوخة فوق الساقين مباشرة ، و صارت الأم تشعر بثقل دائم في جسدها وصارت تقريباً عاجزة عن الحركة ورغم ذلك لم تتوقف نوبات الآلام المبرحة بل ربما زادت عن ذي قبل وبعد يومين آخرين و في بداية الشهر الثامن جاء الطلق حاداً سريعاً قاتلاً ورقدت البارونة بين يدي طبيبها الدائم تحوطها عناية وصيفاتها وخادماتها ويرقبها زوجها بكل قلق و أمل وتوقع الطبيب حدوث الولادة في فجر اليوم .. و لكن الغريب أن ذلك لم يحدث !
و في اليوم التالي عادت آلام الطلق أعنف و أقوى من الليلة السابقة وبدأ رحم البارونة في تسريب السائل المحيط بالجنين بكثافة مما أدى لتوقع الجميع حدوث الولادة في نفس اليوم ولكن لم يحدث ذلك أيضاً .. الغريب أن السائل الذي قذفته البارونة كان أسود غليظاً مختلفاً تمام الاختلاف عن سائل الرحم العادي !
و الأعجب أن نوبات الطلق استمرت عدة أيام متتالية دون حدوث ولادة .. أما أغرب شيء على الإطلاق فقد كان استمرار تدفق هذا السائل الأسود الغليظ من داخل الرحم دون توقف وكأنه بئر لا نهاية له !
و بعد مرور أسبوع كانت الأم قد وصلت إلى مرحلة من الإعياء والإرهاق حداً جعلها تتمنى أن تلد الشيطان نفسه .. المهم أن تتخلص من هذا الكابوس الراقد في جوفها و الذي يأبى الخروج .. وبلغت مخاوف البارون على حياة البارون الصغير حداً جعله يفكر في أن يأمر الطبيب بالقيام بعملية الشق و لو كلفه ذلك حياة زوجته نفسها !
و الحقيقة أن هذا التفكير بدأ يطغى على فكر البارون أكثر وأكثر كلما مضى يوم دون حدوث ولادة ودون توقف لنوبات الطلق و الآلام المبرحة و تدفق السائل الأسود العجيب ..
و بينما كانت البارونة ترقد في هذه الحال الحرجة جاءت الأنباء ذات صباح إلى البارون تبشره بمولد صبي ثالث لأخيه الأصغر !!
..........................
كان الطبيب ذو الأصل الأسباني جالساً على مقعد في غرفة ملاصقة لجناح البارونة " جوليا دي منليك " محاولاً التركيز و البقاء مستيقظاً أكثر وقت ممكن .. إنه يمر بوقت عصيب و لا أحد يستطيع رؤية الأمر على حقيقته سواه هو .. ربما يفقد البارون أبناً و وريثاً .. و ربما تفقد البارونة ولداً و تفقد آخر فرصة للحمل في حياتها ، فالمؤكد أنها لن تحمل ثانية بعد ما عانته هذه المرة ، فالرحم ؛كما يعرف بخبرته ؛ قد صار ولابد في حالة سيئة للغاية بعد كل هذه المعاناة .. هذا هو كل ما يفكر به البارون و زوجته .. أما بالنسبة إليه هو فإن الأمر أكبر كثيراً و اخطر مما يخطر ببال أحد .. إنه يجد نفسه لأول مرة في حياته و منذ أن تخرج و حصل كل العلوم و الكنوز التي أدخرها أجداده من معاهد العلوم الإسلامية الزاهرة في غرناطة التليدة عاجزاً و علمه الذي تحصل عليه عبر سنوات من الدرس و الخبرة غير قادر على إسعافه في هذا الموقف العصيب الذي يمر به .. إن البارون وأتباعه يطوفون به ليل نهار مشجعين و معجبين بخبرته وعلمه و لكنه يعلم جيداً ما يمكن أن يحل به لو فشل في إخراج البارون الصغير إلى الحياة سليماً تماماً !
إن الأمر لا يقتصر على مجرد عملية ولادة عسرة مرهقة .. إنهم لا يفهمون ما يفهمه هو و لا يدركون حقيقة الأمر .. إن هذه ليست ولادة طبيعية على الإطلاق وحتى إذا ما ولدت البارونة أخيراً فلن يأتي جنين طبيعي .. و لن تعود الأمور طبيعية مطلقاً .. و هذا السائل الأسود الغريب ؟!
إنه يمارس الطب النسائي منذ خمسين عاماً ولكنه ولأول مرة يقف عاجزاً أمام ظاهرة لا تفسير لها .. لغز غريب لا يعرف له معنى !
أي حمل هذا و أي ولادة .. و أي جنين .. أي جنين هذا ؟!
و بينما كان الطبيب غارقاً في أفكاره هذه أتت إليه مساعدته لتخبره بأن البارون يطلب لقاءه حالاً في غرفته الخاصة ؟!
..........................
و كانت هذه أول مرة يدخل فيها الطبيب إلى غرفة البارون " منليك " الخاصة على طول مكوثه وخدمته في هذا القصر.. لقد دخل جناح البارونة مرات كثيرة بالطبع بحكم عمله ، و لكن حجرة البارون الخاصة فهذه أول مرة .. ترى لماذا لم يستدعيه في حجرة المقابلات أو حتى في حجرات الاستقبال الخاصة ؟!
و بمجرد أن دخل الطبيب من باب الغرفة حتى وجد البارون واقفاً في منتصفها منتصباً كالرمح .. و أمامه خادمه الشخصي " لوجو " الذي أشار إليه البارون إشارة صغيرة برأسه فأسرع مغادراً بعد أن قام بإغلاق باب الغرفة بإحكام من الخارج !
كان البارون قد حسم أمره الآن .. ربما كان متردداً في الأيام السابقة .. ولكن الآن ؛ و بعد مولد أبن أخيه الثالث ؛ فلا مجال للتردد !
............................
بمجرد انصراف " لوجو " دعا البارون الطبيب إلى الجلوس قبالته على أحد المقاعد .. و بدأ في سؤاله عن حال زوجته وعن فرص خروج الجنين حياً وعما إذا كان يتوقع حدوث الولادة في القريب أم أن الأمر سيطول أكثر من ذلك.
و أخذ الطبيب يجيب عن أسئلة البارون بما عرف عنه من رزانة و هدوء محاولاً بث أكبر قدر ممكن من الاطمئنان في نفس البارون .. و لكن فجأة و وسط كلام الطبيب قاطعه البارون قائلاً بلهجة عادية وكأنما جاء الأمر عفواً :
- " لو خيرت أيها الطبيب بين ضحية واحدة و بين ضحيتين فماذا تختار ؟! "
تظاهر الطبيب بالدهشة ؛ مع أنه في الحقيقة أدرك قصد البارون تماماً ؛ و تساءل بهدوء :
- " ماذا تقصد يا سيدي ؟! "
فأجابه البارون وهو يميل بمقعده إلى الأمام لقرب وجهه من وجه الطبيب :
- " أقصد أنك أبرع طبيب نساء في فرنسا .. لا بل في أوربا كلها .. ولابد أنك تدرك أنه من الصعب أن تنجو البارونة مما أصابها ! "
أرتبك الطبيب لهذه الصراحة و تلعثم وهو يقول :
- " عفواً يا سيدي .. و لكنك لست طبيباً و لا يمكنك إصدار الأحكام في مثل هذه الحالات .. أنا شخصياً و رغم كوني طبيب ليس من حقي أن أصدر مثل هذه الأحكام النهائية ! "
- " ولكنك تعرف بخبرتك بالطبع ما إذا كانت الحالة التي تواجهك صعبة أم لا .. ولابد أنك تدرك مدى خطورة و صعوبة حالة زوجتي ! "
- " نعم ..نعم .. إنها حالة صعبة .. و لكن ليس بإمكاننا الآن التنبؤ بحجم الضرر الذي أصاب الرحم و لا باحتمالات موت البارونة أثناء الولادة !"
و هنا فقد البارون أعصابه فصرخ في وجه الطبيب بصراحة كان يحاول تجنبها طوال الوقت :
- " أنا لا تعنيني احتمالات موت البارونة .. بل كل ما يعنيني هو احتمالات حياة ابني !! "
- " أعتقد يا سيدي أن الأمرين متلازمين و على نفس القدر من الأهمية .. فبحياة البارونة نضمن حياة الجنين .. إذا ماتت البارونة فسيعني هذا موت الجنين على الفور ! "
- " ليس إذا كان الجنين خارجاً بالفعل عند حدوث وفاة البارونة ! "
- " عذراً يا مولاي .. و لكن كيف سيحدث ذلك ؟! "
و هنا ابتسم البارون ساخراً و قال متلطفاً :
- " لا تراوغني في الحديث يا عزيزي .. أنت تعرف تماماً ما أرمي إليه .. أنني الآن أسألك بصراحة : هل من الممكن القيام بعملية شق لاستخراج الجنين الليلة ؟!! "
..........................
لم يعرف أحد ما الذي حدث في هذه الليلة بالضبط .. كل ما قيل أن البارون كان في حجرته الخاصة و برفقته طبيب زوجته الخاص يتناقشان بحدة و بصوت مرتفع .. و فجأة قطع مشادتهما صرخات حادة قادمة من جناح البارونة !
هرع البارون ؛ و في إثره الطبيب ؛ إلى حجرة زوجته ليجد أمامه منظراً عجيباً لم يرى مثله من قبل في حياته .. و المؤكد أنه لا يتمنى رؤيته مرة أخرى !
كانت زوجته ساقطة على الأرض بالقرب من فراشها وسط بركة من الدماء السوداء الغزيرة .. و حولها ثلاث وصيفات و اثنتين من مساعدات الطبيب و كلهن ملطخات بالدماء مثلها .. و هي تصرخ دون توقف وهن يشاركنها الصرخات !!
أما بطن البارونة المنتفخ فقد تحول الآن إلى حفرة غائرة في مقدمة البطن و واضحة تماماً و كأن البارونة لا ترتدي ست قطع من الملابس فوق بعضها !
و لكن أين الجنين .. هذا هو بيت القصيد !
ذُهل " فرانسوا منليك " لهذا المنظر بالغ الغرابة .. و أخذ يتلفت حوله كالمجنون باحثاً عن أي أثر لوليده دون جدوى !
أما الطبيب فقد هرع نحو البارونة محاولاً فحصها وتبين حقيقة الأمر من دون فائدة .. فقد حالت صرخاتها المريعة و حالتها العصبية الهستيرية دون تمكنه من لمسها .. كانت البارونة في الواقع تبدو على أعتاب الجنون نفسه !
و أعتاب الجنون نفسها هي التي كان البارون يقف عندها و هو يدور و يدور باحثاً عن وليده .. عن وريثه .. عن أي طفل وليد .. عن أي جنين دون جدوى !
الحق أن الطبيب و البارون وقفا عاجزين عن تبين حقيقة ما حدث وسط الحالة الهستيرية التي تعانيها البارونة وكل من حولها من نساء .. و لكن الأمر الواضح أن البارونة قد ولدت .. و لكن أين المولود هذا هو السؤال المهم !!
و قبل أن يصحى منليك من الصدمة و الذهول سمع صوتاً غريباً قادماً من أسفل فراش زوجته .. كان صوتاً غريباً جداً وكأنه صوت نقيق ضفدع .. و قبل أن يجد فرصة لاستطلاع حقيقة الأمر فوجيء بشيء غريب يزحف خارجاً من تحت الفراش .. وفي هذه اللحظة انطلقت صرخات الوصيفات ومساعدات الطبيب المرعوبة و هرعن إلى الخارج لا يلوين على شيء و هن يصرخن بلوثة :
- " الشيطان .. الشيطان ! "
أما البارونة فقد ظلت مكانها دقيقة تنصت لصوت النقيق وتنظر برعب لمقدمة الكائن الغريب الذي يزحف خارجاً من ظلام أسفل الفراش .. وفجأة شهقت بفزع و وضعت يدها على قلبها .. وفي اللحظة التالية مباشرة توقفت أنفاسها و شهقاتها و رعبها .. كان كل شيء فيها قد توقف .. كانت البارونة قد أسلمت الروح !!
..........................
في هدأة الليل تحركت عربة مقفلة من قصر البارون منليك .. كانت كل نوافذ العربة وبابها الوحيد كلها مغلقة بإحكام شديد .. و تحركت العربة بهدوء تحت دجى الظلام و أخذت طريقها عبر التلال الجنوبية حتى وصلت منطقة " نوفارا " المنعزلة الموحشة .. و هناك فُتح باب العربة و هبط منها " لوجو " ؛ الخادم الشخصي للبارون و كاتم أسراره ؛ ثم تبعه البارون نفسه بعد قليل .. و بمجرد هبوط البارون من العربة أشار إلى " لوجو " إشارة معينة صامتة فتحرك الخادم متفقداً المنطقة ليتأكد من خلوها التام من أي مخلوق بشري .. فلم أطمأن إلى ذلك وتأكد منه عاد إلى حيث يقف البارون و أومأ له برأسه في صمت .. و عندئذ تحرك الاثنان ودخلا إلى العربة و بدآ في إنزال عدد من الصناديق الطويلة المتينة المحكمة الغلق .. أنزل البارون بنفسه بمساعدة لوجو صندوقاً وراء صندوق .. و قاموا بصفها إلى جوار بعضها حتى أفرغا العربة تماماً .. كانت الصناديق عددها ست على وجه التحديد .. و بعد فترة وجيزة بدأ " لوجو " في حفر حفرة عميقة واسعة محاولاً تعميق الحفر إلى أقصى قدر ممكن .. وما أن انتهى من إعداد الحفرة حتى ضرب البارون أحد الصناديق الست بقدمه فأنزاح من مكانه و أنزلق داخل الحفرة .. و بعدها قاما بالردم على الصندوق حتى أختفى تماماً في جوف الأرض .. و تكرر هذا الأمر ست مرات حتى تم دفن كل الصناديق و مواراتها باطن الأرض ..
و لما انتهى من ذلك .. وجه لوجو اهتمامه إلى تسوية التربة في المنطقة التي دُفنت فيها الصناديق الستة بعناية لإخفاء أي أثر لما حدث الليلة ..و قد تم كل ذلك دون أن يتبادل الرجلان كلمة واحدة !
و في تباشير الفجر كان البارون في عربته عائداً إلى القصر ..وحده !
فقد كوفئ لوجو المخلص على عمله و مساعدته في إخفاء الصناديق ؛ بما تحتويه ؛ مكافأة عظيمة جعلته غير محتاج لخدمة البارون ؛ أو أي سيد آخر بعد ذلك .. كانت مكافأة لوجو حفرة سابعة بجوار الصناديق رقد فيها جثة هامدة .. بعد أن أطلق البارون عليه النار من خلفه خمس مرات !!
وفي اليوم التالي أعلن نبأ وفاة البارونة " جوليا منليك " زوجة البارون " فرانسوا منليك " أثناء الولادة وعرف الجميع أن البارونة توفيت ولحقت بها ابنتها الوليدة ، الابنة الثالثة عشرة للبارون " منليك " .. و تم دفن الصغيرة بعد أن أعطيت اسماً افتراضياً ؛ في حديقة القصر .. أما البارونة فقد حظيت بطقوس دفن فاخرة وتولى رئاسة قداس جنازتها خالها البابا (بيوس الرابع ) بنفسه .. ثم حُمل جسدها إلى ( مقبرة آسرة منليك ) ليدفن هناك !
و بعد مرور أيام الحداد .. و كما أكد الجميع أنه بسبب شدة حزنه أقدم البارون " منليك " على بيع كل أملاكه و أراضيه و عقاراته و جمع كل ما له من أموال و أشترى سفينة خاصة وحمل عليها كل أمواله و كنوزه بالإضافة إلى بناته الإثنتي عشرة و هاجر إلى الأرض الجديدة ..أمريكا و هناك أستقر في ( نيو أورليانز ) !
و حسنا فعل البارون .. فبعد أيام من رحيله هب الشعب الفرنسي في ثورة رهيبة وحطموا سجن الباستيل و فتكوا بالنبلاء والأغنياء الذين أصبحوا طعمة سائغة للمقصلة .. و تم مصادرة كل الأموال و الثروات .. و أخيراً جاءت النهاية بجز رقبة الملك نفسه و رقبة جلالة الملكة لتنتهي قصة الملكية في فرنسا إلى حين .. و تنتهي علاقة البارون " منليك " بوطنه فرنسا إلى الأبد !!
و رغم أن البارون قد أنقذ كل أمواله و كنوزه عندما هاجر إلى العالم الجديد .. ألا أنه لم يأخذ كل ما يخصه من فرنسا فقد نسى هناك شيء ما .. شيء هام كان حرياً به ألا ينساه !!
..........................
و مرت أعوام أخرى و صارت الآنسات الثلاث " جوليا " و " بولين " و " صوفيا " فتيات ناضجات جميلات .. و مشت البنات الأخريات في طريق النضج و النمو بسرعة خارقة و أصبحن صبيات حسناوات يخطفن الأبصار بجمالهن الناضج المثير .. و لكن لم تبلغ إحداهن ما بلغته الآنسة " ماريانا " من جمال و فتنة .. كانت " ماريانا " تشبه إلى حد بعيد لؤلؤة القلب في عقد كل حبة فيه جميلة بما يكفي .. و كما كانت أجمل شقيقاتها كانت كذلك أشجعهن و أكثرهن ذكاء و تكيفاً مع الوضع الجديد .. فقد تجاوزت مرحلة الحزن المرير بعد وفاة أمها الحنون بسرعة وساعدت أباها و شقيقاتها على تجاوزها .. و لعل البارون دون وجود ماريانا بجواره ؛ كان أقدم على العودة إلى فرنسا أو إدمان الخمر أو إلقاء نفسه في البحر .. أو أي عمل جنوني آخر !
و الحق أن البارون مرت عليه فترة مريرة بالغة السوء بعد وفاة زوجته و رحيله عن وطنه .. و لكن الحق أكثر أن وفاة البارونة كان آخر سبب لحزن البارون و مرارته !
وحتى فقده للوريث المنشود لم يكن هو سبب حزنه و كآبته !
و لو شئنا الحق أكثر و أكثر لقلنا إن البارون لم يكن حزيناً على وجه الدقة .. بل كان نادماً وخائفاً .. نادماً على الخطأ الفظيع الذي تورط فيه بسبب شوقه الجنوني للحصول على وريث و خائفاً من نتائج عمله الوبيلة التي يمكن أن تلاحقه حتى في قبره .. فلم تكن نتائج أخطاء البارون قد دفنت بعد .. في الحقيقة أنها لم تمت بعد بل ما زالت على قيد الحياة !!
..........................
و مرت أعوام أخرى و تزوجت " جوليا " من شاب أمريكي ثري من أصل فرنسي و رحلت بعيداً عن الأسرة لتسكن مع عائلة زوجها في (ديلوير ) .. و تقدم شاب عديدون لخطبة الآنستين " بولين " و " صوفيا " .. و لكن الحقيقة أن البارون لم يعاني قلقاً مثلما عاناه عندما بدأ طوفان الراغبين في الزواج يتهافتون على خطبة عزيزته " ماريانا " !
و في الواقع فإن كل رجل دخل قصر البارون في ( نيوأورليانز ) و تعرف على عائلته كان يفكر أول شيء في خطبة " ماريانا " الابنة الرابعة و أكثر البنات سحراً و جاذبية و أكثرهن تعقلاً و حكمة .. و لكن آه من غيرة الأب حينما يغار على أبنته !
كان البارون يجد دائماً في كل شخص يتقدم لخطبة ماريانا عيباً يجعله غير مناسب لها هي بالذات .. و لكنه في نفس الوقت كان يرحب بنفس هذا الشخص إذا تقدم طالباً يد أي واحدة أخرى من بناته !
و هكذا تزوجت جوليا الكبرى من أحد عرسان ماريانا ..و خلال فترة وجيزة تزوجت أربع أخريات من بنات البارون من رجال كانوا يرغبون أصلاً في الزواج من ماريانا .. و هكذا أصبحت الأخيرة مصدر لتوريد العرسان لشقيقاتها !!
و في إحدى الليالي أقام البارون حفلاً فاخراً احتفالا بخطبة ابنته السادسة شارلين من أحد أثرياء نيوأورليانز ذوي الأصول الهولندية .. و تألقت ماريانا خلال الحفل و طغت فتنتها و حسنها على جميع الموجودات من النساء و البنات ، و جذبت أنظار جميع الرجال و الشبان المتواجدين في الحفل حتى عريس " شارلين " نفسه ترك عروسه واقفة بمفردها بجوار البيانو و أخذ يلاحق ماريانا في كل مكان تذهب إليه إن لم يكن بجسده كله فبعينيه على الأقل !!
المهم أن ماريانا ؛ و بينما كانت تعزف مقطوعة مرحة على البيانو استجابة لطلب الحاضرين ؛ شعرت فجأة بشعور غريب .. كان هناك شيء يسيل على ساقيها !
توقفت ماريانا عن العزف للحظة بعد أن أدهشها هذا الشعور الغريب الذي تحسه .. و لكنها عادت للعزف رغبة منها في ألا تخيب ظن الحاضرين و تفسد على أختها ليلتها الجميلة .. وإن كانت ظلت طوال وقت عزف المقطوعة التي استمرت لأكثر من ربع ساعة في حالة قلق و خوف !
و بمجرد أن انتهت من العزف و دوي تصفيق الجماهير المعجبة حتى هرعت من فورها إلى غرفتها .. و هناك وبمساعدة وصيفتها الخاصة رفعت ذيل فستانها الثقيل لتجد سائل أسود غليظ لزج يسيل فوق ساقيها !
تعجبت الوصيفة مما ترى وسألت الفتاة عما إذا كان ميعاد طمثها قد حل .. و لكن لا لم يكن هذا هو الموعد الشهري و لا حتى قريب منه .. و حتى لو كان هو كذلك فليس هكذا تكون الأمور .. و ظلت ماريانا تحاول رفع ذيل الفستان أعلى و أعلى لتتمكن من رؤية المصدر الذي يخرج منه هذا السائل الغريب !
و في النهاية اضطرت الفتاة لصرف وصيفتها و خلع ثيابها بمفردها ؛ إذ كانت تخجل أن تخلع ثيابها أمام أي أحد ؛ للبحث عن مصدر خروج هذا السائل الأسود .. و صار من المؤكد بعد قليل أنه لا يخرج من رحمها !!
و هكذا تتبعت ماريانا الأمر حتى تيقنت في النهاية ؛ و يا للغرابة ؛ أن السائل الأسود اللزج كريه الرائحة لا يخرج إلا من سرتها !!
ذهلت ماريانا لذلك و أصابها قلق خشية أن تكون قد أصيبت بمرض خطير من تلك الأمراض المريعة التي تسمع عنها .. البرداء و الطاعون و الجذام .. رباه ما أسوأها من ليلة !
و رغم ذلك أصرت الفتاة على عدم إفساد ليلة أختها .. فارتدت ملابسها ببطء و نزلت إلى قاعة الحفل و أخذت ترد على ابتسامات المعجبين و الولهانين بابتسامات شاحبة وهزة رأس .. مع أنها كانت في أشد حالات الخوف و الجزع !
و انتهى الحفل أخيراً بعد أن أعلن البارون منليك إتمام الخطبة بين ابنته شارلين والثري الهولندي الشاب برنارد فوكنماير و انصرف الحضور في إثر بعضهم و كان أخرهم الخطيب السعيد .. و قبل حلول منتصف الليل كانت قاعة الحفل قد خلت من أي أحد آخر عدا البارون و بناته .. و عندئذ هرعت ماريانا إلى غرفتها و هي ترفع ذيل ثوبها الثقيل وتعدو على السلم بشكل لفت نظر أباها .. فتبعها على الفور !
و اقتحم منليك غرفة ابنته الشابة دون استئذان ففوجئ بمنظر أذهله و سود بقية أيام حياته !
كانت ماريانا واقفة أمام المرآة شاحبة الوجه بشدة وخلفها وصيفتها تحمل لها فضل ثيابها وساقي الفتاة عاريتين و هناك خطوط من سائل أسود غريب تسيل على ساقي الفتاة وتتجمع في بركة صغيرة أسفل قدميها !
ارتبكت الفتاة لظهور أبيها المفاجئ .. لكن دهشته و ذهوله هو غطى على الأمر كله .. فقد حدق البارون في منظر السائل للحظة .. ثم فجأة شحب وجهه و أصفر صفرة الموت .. و في اللحظة التالية أقدم منليك على تصرف غريب .. فقد رفع يديه المغطيتين بالجواهر و الخواتم اللامعة و ضرب خديه بعنف و جنون
..........................
عاد " فرانسوا منليك " إلى غرفته وهو في حالة ذهول كامل و شبه غيبوبة .. كان يترنح على الباب وكاد يسقط على وجهه لولا أن لحقه خادمه الخاص و ساعده على الوصول إلى غرفته و لكن الكونت رفض أن يرافقه خادمه إلى الداخل .. و دخل إلى غرفته و أرتمى على أول مقعد أمامه !
إن منظر هذا السائل الغريب الذي يسيل على جسد ابنته ليس غريباً عليه .. فقد رآه من قبل .. إنه نفس السائل الذي تدفق من رحم زوجته جوليا في أواخر حملها الأخير قبل أن تحدث الكارثة و تلد هذا الشيء !
لقد تخلص من دليل خطيئته و تخلص من كل الشهود عليها .. و لكن يبدو أن خطيئته نفسها لم تمت بعد !
و لم يجد الشرير سوى ماريانا ؟!
- " لا..لا... أيها السيد ليس ماريانا .. ليس ماريانا .. خذ كل من لي في العالم إلا ماريانا.. اتركها لي .. أيها السيد إذا كنت تعرف الرحمة فخذني أنا مكانها .. أيها السيد أترك لي ابنتي الحبيبة .. أرجوك أيها السيد .. أتوسل إليك و أجثو عند قدميك .. فأسمع و أستجب ! "
كان البارون يتوسل و يتوسل بصوت باك يائس و هو يتشبث كالغريق بمسند مقعده .. يدعو و يتوسل و يترجى .. و لكنه نسي أن السيد لا يعرف الرحمة .. ليس له رحمة .. لم و لن يكن له رحمة إلى الأبد !!
..........................
عودة إلى الوراء .. في فترة توقف زوجة البارون عن الحمل ..
بعد مولد ابنتيه التوأم " جولييت " و " كوليت " أنتظر البارون منليك بلهفة حدوث حمل جديد ، لعل وعسى يأتي الغلام المنشود في تلك المرة .. و لكن للأسف فقد مرت الشهور تلو الشهور دون أن تبدأ أعراض الحمل في الظهور على زوجته .. و بناءً على رغبة البارون المجنونة خضعت الزوجة لفحص تلو فحص على يد طبيبها الخاص الذي بذل جهده في محاولة تحديد السبب الذي حال دون حدوث الحمل طيلة هذه الشهور رغم أن البارونة كانت تحمل سريعاً في المرات السابقة .. و لكن المشكلة أن الطبيب نفسه كان يظن أن البارونة قد حدثت لها مشكلة خطيرة في الرحم أثناء الحمل الأخير قد تحول دون حدوث حمل جديد أو تمنع ذلك لفترة طويلة على الأقل .. و طبعاً لم يجرؤ الطبيب على مواجهة البارون بتلك الحقيقة القاصمة تاركاً الأمر للأيام لتظهر هذه الحقيقة المرة بالتدريج .. و في هذه الأيام السوداء تزوج شقيق منليك الأصغر من الفتاة القروية الوضيعة و أنجب منها ولدين .. فأنفجر الفزع في قلب البارون و أيقن أنه في طريقه لخسارة أملاكه و أمواله .. و ربما يخسر لقبه ومكانته نفسها و يصير مجرد تابع لأخيه الصغير والد الوريثين الوحيدين .. عندها بدأ البارون يفقد صبره و توازنه و حكمته .. ثم و بمرور مزيد من الوقت ؛ بدأ ينزلق إلى ما هو أخطر و أخطر .. و كان السبب في كل المصائب التي حدثت في هذه الفترة هو إصغاء البارون لخادمه لوجو .. ، لوجو اللعين الذي أودى به إلى طريق الهلاك .. طريق الشيطان !!
ففي ذات يوم ؛ و كان البارون جالساً في مكتبه يفكر في مصيره بعد مولد أبن أخيه الثاني ؛ وجد لوجو فجأة واقفاً أمامه في الغرفة .. لم يفهم كيف تسلل هذا الخادم اللعين إلى الغرفة رغم أنها مغلقة بالمفتاح من الداخل .. كان البارون قد بدأ يدخن بشراهة في تلك الأيام القاتمة و تقريباً كان ؛ وقت دخول لوجو المفاجئ ؛ جالساً وسط سحابة سوداء من الأدخنة الكثيفة وقد أثار دخول الخادم المفاجئ غضبه الشديد .. فهب من مقعده صارخاً محتجاً وكاد يبطش بهذا اللقيط اللعين ( كما يسميه ) لولا أن الرجل الداهية أوقفه بجملة واحدة نطقها فحطت على رأس البارون كالصاعقة :
- " سيدي .. أنت تريد الوريث .. حسناً أنا أعرف كيف تحصل عليه !! "
قال الخادم بابتسامته الخبيثة الصفراء .. و لم يقدم لوجو المزيد من التفسير ولم يطلب منه البارون تفسيراً أصلاً .. فقد كان مستغرقاً في تأمل وجه الخادم الحازم الخبيث والبحث عن علامات الصدق في ملامحه السائبة الماكرة .. و في الأيام التالية ترك البارون نفسه تماماً لخادمه اللقيط اللعين و بدأ ينفذ كل نصائحه الشيطانية دون اعتراض .. لأن منليك لم يفقد عقله فقط في تلك الأزمة الطاحنة التي يعانيها .. بل كان قد فقد إيمانه أيضاً !!
..........................
بهدوء قاد لوجو الخبيث سيده عبر القاعات الملتوية المظلمة .. كانت هناك سلالم وقاعات وممرات لا حصر لها .. و كلها خالية ومظلمة و تتصاعد منها أبخرة وروائح غريبة عطنة .. و تبع البارون منليك خادمه و صعد وراءه سلماً وراء سلم ، و دخل معه قاعة وراء قاعة ؛ و عبر خلفه ممراً وراء ممر حتى أصابه التعب والإرهاق وكاد ينكص على عقبيه لولا أن تشبث لوجو بطرف كم البارون في جراءة وقال له في حزم و هو يشير إلى باب أسود قاتم مثلم أمامهما مباشرة :
- " لقد وصلنا ! "
و الحق أن لحظة التردد هذه لم تكن لحظة عادية .. بل كانت فرصة ذهبية .. كانت هبة من الرب لـ منليك وفرصة أخيرة له للتراجع قبل أن يتورط في أخطر وأسوأ شيء أقدم عليه في حياته .. و لكنه بغباء منقطع النظير و ببساطة ضيعها !!
و في داخل القاعة كان هناك مزيد من الأدخنة و الروائح الثقيلة العفنة .. و أصيب البارون بالغثيان و كاد يتقيأ .. و لكنه وجد نفسه فجأة في قاعة مملوءة بأصناف من المخلوقات لا تعرف ماهيتهم بالضبط .. لقد كانوا كلهم عبارة عن أشكال طويلة نحيلة متدثرة بعباءات جلدية طويلة و أقنعة سميكة تحجب ملامح الوجوه بأكملها .. وكانوا يحيطون بشيء ما في وسط القاعة و يلتفون حوله في شكل دائرة محكمة .. و لكن بمجرد ظهور لوجو وسطهم في القاعة ساحباً وراءه البارون حتى بدأو يوسعون له الطريق تاركينه يعبر إلى حيث مركز الدائرة نفسه .. هناك حيث يقبع هذا الشيء المخيف على كرسي عالي و كأنه عرش تحيط به غلالة من الظلام و الأدخنة الكثيفة !
و لحظة أن وجد البارون نفسه يحدق مباشرة في هذا الشيء القابع أمامه ؛ محاولاً أن يعرف ماهيته و ماذا يكون بالضبط ؛ فجأة أرتفع صياح جنوني ارتجت له القاعة .. فأقرب الملاصقين لعرش الشيء الغامض رفع عقيرته فجأة صائحاً :
- " المجد لسيدنا اسموديوس ASMODEUS و لمن أعطاه القوة و المجد .. المجد لسيدنا الأكبر ! "
و بدأت كل تلك المخلوقات العجيبة في ترديد الكلمات ؛ التي لم يفهم لها البارون معنى ؛ بأصوات نحاسية مرعبة ذات رنين غريب ..
و كان البارون قد وصل في هذه اللحظة إلى نهاية تحمل أعصابه و كاد يلوذ بالهروب رغم محاولات لوجو المستميتة للتشبث به وإرغامه على البقاء .. لولا أن نهض الكائن الجالس على العرش و وقف مواجهاً له بهيئته الرهيبة .. فتجمد الدم في عروق منليك وشعر بآلام مفاجئة تمزق صدغيه .. و تخلت عنه ساقيه ووجد نفسه يتخاذل و يثبت مكانه وهو يحدق بذعر في عيني هذا المخلوق الرهيب المنومتين .. و الحقيقة أن البارون قد بال على نفسه خمس مرات في هذه الليلة من فرط الرعب !!
..........................
و في الليلة التالية ؛ و رغم كل محاولاته لإقناع نفسه بالتريث و العدول عن ذلك الأمر الخطر ؛ وجد البارون نفسه يترك نفسه ليقاد كالأعمى إلى القداس الأول له .. القداس الشيطاني !!
كان الموضوع ببساطة أن لوجو النتن الخبيث أقنع سيده أن الغلام المنشود و الوريث المرتجى إذا كان لم يأتي عن طريق الرب فليأتي عن طريق عدو الرب .. إذا لم يكن هبة من الرب فليكن هبة من الشيطان !!
و رغم أن منليك واجه الفكرة في البداية باحتجاج عنيف وكاد يطيح برأس خادمه اللعين أو يسلمه إلى ديوان التفتيش .. إلا إنه شيئاً شيئاً بدأ يتساهل و يسأل و يستوثق من صحة الأمر و إمكانية حدوثه .. كان البارون الذي تلقى تعليمه في أرقى جامعات أوربا و أختلط بأرقى الأوساط في باريس و صاهر البابا العظيم نفسه قد بدأ يخضع لأخابيل رجل أمي جهول غبي مشكوك في أصله و في عقله و في عقيدته !
و الحق أن رغبة البارون الجنونية في الحصول على وريث هي التي دفعته لخوض المهالك وسلوك مسالك التهلكة من أجل تحقيقها .. و لكن لابد لمن الحلوى أن يتحمل لذع النار .. و لابد لمن يريد أن يحصل على قطعة الحلوى أن يدفع ثمنها !!
و هكذا ارتدي البارون ثياباً بسيطة وحاول بواسطة قناع محكم أن يخفي ملامحه الأصلية عن المشاركين معه في القداس الشيطاني !!
و في نفس القاعة التي ولجها البارون الليلة الماضية برفقة خادمه اللعين و بحضور نفس المخلوق الرهيب بدأت طقوس القداس .. و لكن ليس قبل أن يقف أحد هذه المخلوقات العجيبة قريباً من العرش المظلم داعياً رفاقه إلى تقبيل يد المخلوق الذي يحتل العرش لنيل البركة !
و هكذا اندفع الأتباع لتقبيل يد المخلوق المتدثر بالسحب المظلمة وتدافعوا و كأنهم يتنافسون على الولوج من بوابة الجنة و وجد البارون نفسه يدفع دفعاً بواسطة أيدي كثيرة مجهولة إلى حيث يجلس المخلوق .. الذي مد يده إليه في أريحية و كرم زائد !
و رغم نفوره طبع منليك قبلة سريعة على يد هذا المخلوق ؛ أو على قفازه بمعنى أصح ؛ ثم أنسحب سريعاً وكاد يبتعد لولا أن الجالس على العرش تشبث بيده بقوة وتمسك بها لأكثر من دقيقة و كأنه ينوي ألا يطلقها أبداً !
فزع البارون لهذه الحركة المباغتة و أصابع الذعر على ذعره و لكن المخلوق هتف بصوت غريب يجمد الدم في العروق :
- " أخيراً جاء البارون أتٍ لتحيتنا .. و بعدهم يأتي الملوك بحسب الزمان ! "
و فجأة تخلى المخلوق عن يد منليك وأطلقه فهرع الأخير مبتعداً و قد كادت أنفاسه تتوقف من فرط الرعب و الذعر !
..........................
و توجه واحد من الأتباع نحو منتصف القاعة بالضبط .. و هناك كانت نجمة خماسية عملاقة تتوسط حلقة مستديرة مرسومة على الأرضية و كانت أول مرة يراها البارون منليك أو يلاحظها .. ثم قام هذا التابع بإشعال نيران هائلة وسط الحلقة ، ثم بدأ بقية الأتباع يناولونه عدداً من الشموع السوداء الرفيعة ليقوم بإشعالها و أخذوا يعدون :
- " اثنى عشر .. ثمانية عشر .. أربع و عشرون .. ثلاثون .. ستة و ثلاثون ! "
و هنا توقف العد وتوقف الأتباع عن إشعال المزيد من الشموع .. و كان منليك لديه في يده إحدى هذه الشموع السوداء التي أحضرها له لوجو وهم بأن يشعلها و يناولها لموقد الشموع هذا .. و لكن لوجو أمسك يده بجراءة وهتف بصوت خفيض :
- " انتهى .. لا يصلح لأن العدد سيصبح سبعة و ثلاثين ! "
فسأله البارون بحيرة و بنفس النبرة المنخفضة :
- " وماذا في ذلك ؟! فليصبح سبعة و ثلاثين أو أربعين حتى كن كريماً يا أخي ! "
فأجابه لوجو بحزم وبنظرة باترة و كأنه هو السيد و ليس الخادم :
- " لا يصلح .. يجب أن يكون عدد الشموع من مضاعفات العدد ستة و يقبل القسمة التامة عليه ! "
و هنا ابتسم البارون بسخرية و قال لتابعه غريب الأطوار :
- " الآن عرفت القسمة التامة يا "لوجو ! رحم الله أيام أن كنت تنتظر أسبوعين لأفرغ و أقرأ لك الخطاب الوارد من أمك ! "
و لكن إجابة لوجو أدهشت البارون حقاً فقد حدق في وجهه بعينيين ناريتين و أجب بهدوء :
- " أنا أجيد القراءة و الكتابة بست وثلاثين لغة يا سيدي ! "
قال لوجو نعم .. و لكن بأرقى لغة لاتينية سمعها البارون في حياته !!
و كاد البارون يعبر عن دهشته لهذه المعلومة الغريبة لولا أن الغرابة نفسها بدأت في تلك اللحظة .. فقد بدأ كل المشاركين في الطقوس ينزعون الجزء الأعلى من ملابسهم .. كاشفين عن جذوعهم النحيلة العجيبة و أضلاعهم النافرة وصدورهم المغطاة بأنواع وأشكال غريبة بالغة القبح من الوشم !
و لكن هل هو مطالب بأن يحذو حذوهم ؟
يبدو أنه كذلك لأن تابعه اللعين ؛ حذا حذوهم بالفعل ؛ و ها هو ذا يشير للبارون بحزم كي يقلده .. و ارتبك البارون ارتباكاً مهولاً لهذا الأمر .. فهو غير متعود على التعري أمام أي أحد .. إلا أمام زوجته أحياناً !
و لكنه خضع في النهاية و نزع الجزء العلوي من ثيابه كاشفاً عن جذعه العريض القوي ولكنه في نفس الوقت أبى التخلي عن قناعه .. و خلال ثانية بدأ شخص غريب يقف ملاصقاً للعرش والجالس عليه في ترديد عبارات كثيرة متراصة بسرعة هائلة لم يفهم منها البارون شيئاً ، و يبدو أن لوجو اللعين أحس بغرابة الموضوع على سيده في المرة الأول ، فمال على أذنه و قال له بصوت لا يكاد يُسمع :
- " إنه يردد المفاتيح السبعة ! "
و تعجب منليك من حكايات المفاتيح السبعة هذه و كاد يستفسر عنها لولا أن أحدهم قدم له في تلك اللحظة غليوناً ضخماً يتصاعد منه دخان رمادي كثيف ذو رائحة كريهة نفاذة .. ارتبك البارون ولم يدري ما يفعل بهذا الغليون فنظر إلى تابعه الذي كان هو الآخر قد قُدم إليه غليون آخر و أخذ يدخنه بشراهة .. و لم يكن الخادم وحده هو الذي يقوم بتدخين مثل هذا الغليون بل كان الحاضرين يمسكون بغلايين مشابهة و يدخنون بشغف .. و تردد البارون الذي أدرك أن الغليون يحوي مادة مخدرة ، و لكنه في النهاية و تحت وطأة نظرات من حوله رفع الغليون إلى شفتيه و بدأ يمتص رشفات حذرة منه .. فملأت أنفه و خياشيمه ألعن رائحة شمها في حياته .. و لكنه واصل التدخين رغم ذلك حتى أحمرت عيناه و ضاق صدره و بصق هبة سوداء من الدخان .. ثم سقط على الأرض فاقد الوعي !!
و غاب البارون عن الوعي فجأة بضع لحظات.. بعدها عاد إليه وعيه ليرى أغرب شيء توقعه في حياته .. فقد كان واقفاً و يديه متشابكتين في أيدي أثنين من أولئك الرعاع واحد عن يمينه و الآخر عن يساره .. و كان الحشد كله ملتفاً في شكل حلقة حول العرش و منهمكين في أغرب رقصة همجية رآها في حياته و أكثرها صخباً .. و الغريب أن منليك وجد نفسه يشاركهم هذه الرقصة الشاذة .. و استمرت الرقصة طويلاً... طويلاً .. حتى بدأ كل من حوله يتساقطون على الأرض فاقدي الوعي .. و كان هو أخرهم !
..........................
و استيقظ البارون في الساعة الواحدة ظهراً ليجد نفسه في بيته وعلى فراشه المعتاد !
كان في غاية التعب والإرهاق ويشعر وكأنه قطع فرنسا كلها سيراً على الأقدام .. و لكنه بطريقة ما كان غير واع بأحداث الليلة الماضية ولديه استعداد تام أن يقسم أن ما حدث بالأمس لم يكن سوى كابوس مزعج !
و لكن دخول لوجو المفاجئ بوجهه الغريب وملامحه السائبة الباهتة أيقظ عقل البارون على الفور وعادت له كل مشاهد الليلة الماضية دفعة واحدة !
قال لوجو بابتسامته السائحة غير مبال بملامح البارون الممتعضة لرؤيته :
- " صباحاً طيباً يا سيدي .. أراهن أنك لم تنم كما نمت هذه الليلة ! "
فأجابه البارون بصوت منخفض و هو يدعك عينيه :
- " ماذا حدث يا رجل ؟! "
- " لا شيء يا سيدي .. فيما عدا أنك دخلت في نومة الصلاة و ظللت راقداً حتى قبيل بزوغ الفجر و عندما حاول المركز الحي إيقاظك لم تستجب إطلاقاً .. فطلبوا أن أقلك إلى البيت ! "
فعاد البارون يسأله :
- " وكيف حملتني بمفردك .. إياك أن تكون قد سمحت لواحد من أولئك الشرذمة الحقيرة باصطحابي إلى هنا .. سأذبحك لو سمحت أحدهم بأن يطأ حديقة منزلي ! "
و الحق أن البارون كان غاضباً جداً و هو يوجه هذه الكلمات الحادة لخادمه الخاص و لكن لوجو اللعين احتفظ بهدوء أعصابه و ظل بارداً سمجاً كلوح الثلج و هو يقول بهدوء لزج يغيظ :
- " مولاي يعرف فطنتي جيداً .. لم أكن لأقدم على هذه الفعلة الغبية .. و أرجوا أن تحتفظ بأقصى قدر من رباطة جأشك يا سيدي .. فالليلة ستحتاج لكل هدوئك و قوتك لتشارك في القداس ! "
و أغاظت إجابة لوجو البارون و لكن ذكر كلمة القداس شحب وجهه و أصابته رعشة مفاجئة و سأل بحذر و بصوت خافت :
- " أي قداس ؟! "
فرد لوجو :
- " أول قداس حقيقي لك يا مولاي وسط جماعتك الجديدة .. القداس الأسود ! "
و عند هذه النقطة استيقظ منليك من أفكاره على قرعات عنيفة فوق بابه !
..........................
فجأة سمع البارون منليك فجأة صوت قرع عنيف على باب حجرته الخاصة فأنتفض فزعاً و تبخرت الأحلام التي كان يعيش فيها و هرع نحو الباب وفتحه .. و وجد وصيفة ابنته ماريانا تقفعلى بابه بوجه شاحب و بجسم مرتعش و بنبرات مذعورة قالت له :
- " سيدي إن ابنتك مريضة جداً و قد ظهرت أشياء غريبة عليها ! "
و كانت هذه الكلمات كافية لإصابة البارون بالجنون و الشلل و لكنه تماسك و هرع نحو غرفة ماريانا .. و هناك رأى ما لا يتصوره بشر ..
كانت ماريانا على الأرض بجوار فراشها تتلوى وتصرخ و هي تعصر بطنها و كأن ناراً تشتعل في جوفها .. و من بين ساقيها كان يسيل هذا السائل الأسود الغليظ صانعاً بركة صغيرة مخيفة حولها ومن فمها يتدفق قئ بني غامق اللون ؛ أقرب للسواد ؛ غليظ و أغرب شيء على الإطلاق .. إنه قئ جاف تماماً و على شكل قطع صلبة !
انفجر الفزع في نفس البارون و أخذ يرتجف كورقة شجر صغيرة و شحب وجهه أكثر من ماريانا نفسها وأسرع نحو ابنته و حاول إنهاضها دون فائدة .. فقد كانت متصلبة و أعضائها يابسة و في هذه اللحظة دخلت شقيقاتها بولين و سارة وماري الصغيرة إلى المكان و قد أقلق نومهن و أفزعهن صرخات أختهن العزيزة .. و بمجرد أن رأت بولين المنظر صرخت فزعاً ووضعت يدها لتغطي فاهها و كذلك فعلت سارة.. أما ماري الصغيرة فقد أسرعت نحو ماريانا و أخذت تبكي و تحاول لمسها .. و صرخ البارون مطالباً بولين و سارة بمساعدته لإنهاض ماريانا .. و بالفعل تمكن الثلاثة ؛ و بمساعدة وصيفة ماريانا ؛ من رفعها عن الأرض بمجهود شاق للغاية و وضعها في فراشها و قامت الأختان بتغطيتها وخرج البارون ليسمح لهن بتغيير ملابسها و ليستدعي الطبيب فوراً ..
و جاء الطبيب و فحص ماريانا على مدار ساعتين متواصلتين خرج بعدها من غرفة الفتاة و وجهه يبدو عليه أنه في أزمة كبيرة !
و لما سأله البارون بلهفة عن حالة أبنته قال له محرجاً :
- " لا أدري يا سيدي .. إنني لم أري شيئاً كهذا من قبل ! "
فصرخ البارون الذي فقد أعصابه تماماً :
- " ما معنى أنك لا تعرف .. و من يعرف إذن ؟! "
فأجابه الطبيب محاولاً تهدئته :
- " سيدي أنني أقول لك أنني لم أرى شيئاً كهذا من قبل .. و لا اعتقد أن أي طبيب في الأرض رأي مثل هذه الحالة ! "
فأهتاج البارون و صرخ بصوت كالرعد :
- " لا تقل لي لم أرى من قبل .. أبحث في كتبك .. أسأل زملائك الأطباء .. و إذا كنت عاجزاً عن معالجة ابنتي فدلني على اسم أكبر طبيب في الأرض و أنا أذهب إليه و لو كان الشيطان نفسه !! "
و عند هذا الحد انتهت المناقشة .. و بدأ عذاب منليك الذي لا نهاية له !
..........................
و بدأت حالة الفتاة تسوء أكثر و أكثر .. و استمر السائل الأسود و القيء البني يتدفقان من داخل جسدها و كأنه هناك نهراً زاخراً في داخل جسدها الصغير .. و نحلت الفتاة و فقدت نصف وزنها في أقل من أسبوعين .و أصابها شحوب رهيب ما لبث أن أنقلب إلى صفرة داكنة .. و فقد وجهها الساحر جماله و فتنته شيئاً فشيئاً حتى أن أحد ممن عشقوها لو رآها الآن لفزع من منظرها و أقسم بضمير مستريح أنها ليست ماريانا ابنة البارون منليك !
أما البارون فقد كان في حالة يرثى لها .. و أسوأ ما في الأمر أنه الوحيد الذي يعرف ماذا يحدث بالضبط .. و لكنه آخر إنسان قادر على إيقافه !
- " إسموديوس أيها الشيطان الجبان ! "
كان يعرف أنه أخطأ خطأً كبيراً حينما ولج بقدمه إلى وكر الشيطان من أجل الحصول على الوريث الذي كاد يجن من أجله .. و المصيبة أنه يعرف ماذا يريد منه الشيطان ولكن جبنه يمنعه من تنفيذه !
لقد انتظر حتى أبيض شعره و كبرت بناته و نمت ماريانا العزيزة حتى أصبحت أجمل زهرة في الكون .. انتظر حتى تعلق بها أكثر و أحبها أكثر .. انتظر حتى أصبحت عروساً تسر الناظرين .. ثم ها هو ذا يعاقبه و يسلب منه زهرته لتكون الضربة أقوى و أوجع !
..........................
و مر أسبوع مروع وصارت ماريانا كأنها بقايا إنسان .. أو شبح .. ثم بدأت تغييرات مرعبة تصيبها !
فبعد أن نحل جسدها و تحول لونها الصافي الرائق البديع الذي يشبه لون الخوخ إلى صفرة قاتمة مرعبة .. بدأت ملامح الفتاة ذاتها تتغير !
و لم يكن التغيير تغيير عادي كالذي يصيب المرضى المصابين بأمراض شديدة الوطء .. بل كان تغيير في ملامح الوجه الثابتة ذاتها .. و بدا كأن جمجمة الفتاة ذاتها بدأت تتغير تغيراً جذرياً .. و جن جنون البارون و أيقن أن الشيطان اللعين لن يسلب الفتاة منه ببساطة .. بل إنه ينوي أن يعذبه تعذيباً رهيباً ويقتله في كل يوم مليون مرة وهو يرى ابنته العزيزة و هي تنحدر بهذا الشكل الرهيب .. يعذبه كما عذبوا الفتاة الصغيرة ذات ليلة لن ينساها أبداً ما حيي .. و كيف ينسى و صوت صرخات الطفلة البريئة ما زال يرن في أذنيه بعد انقضاء كل هذه السنوات !!
كان ذلك في أول قداس يحضره البارون مع جماعة عبدة الشيطان هؤلاء الذين ينتمي إليهم لوجو اللعين ..
و رغم نفوره و كراهيته لكل ما رآه هناك فقد كان يجب عليه حضور القداس الشيطاني .. يجب عليه أن يعود و إلا سيكون الانتقام منه أفظع من كل خيالاته و أحلامه .. و رغم مرور هذه السنوات الطويلة فما يزال ما حدث في تلك الليلة السوداء عالقاً بذاكرة البارون لحظة بلحظة !
..........................
ذهب البارون مرتدياً ملابس بسيطة فوقها عباءة ضخمة و قناع سميك على وجهه و كان بصحبته لوجو .. و توجها نحو المكان السابق و هناك وجدوا الجمع اللعين محتشد حول العرش و حول الكائن الغامض الجالس عليه .. و لكن كانت هناك تغييرات هامة أجريت على الغرفة !
فقد أزداد عدد الشموع السوداء المشتعلة فيها حتى وجد البارون نفسه يتساءل سراً كم عدد مضاعفات الستة من الشموع متواجد في هذه القاعة .. و كذلك فقد كان هناك مائدة غريبة وضعت في منتصف الحجرة تماماً ، و كان شكلها غريب يشبه مذبح الكنيسة .. و أكتشف البارون لأول وهلة أن عدد أتباع هذه الجماعة أكثر مما ينبغي فقد كان المتواجدون الليلة أكثر من أربعة أضعاف الذين رآهم في المرة الأخيرة .. أما أغرب شيء على الإطلاق فهو وجود طفلة صغيرة لا تتجاوز السابعة برفقة أحد المشاركين في القداس !!
طفلة صغيرة تشارك في هذه الطقوس المشينة .. طفلة تعبد الشيطان ؟!
أي أب هذا الذي يسمح لنفسه باصطحاب أبنته الصغيرة في طقوس مثل هذه ؟!!!
و لكن لا ليست الطفلة من أعضاء هذه الجماعة .. و ليست ابنة أحد الأعضاء .. وليست قادمة بصحبة أحدهم .. رباه ليتها كانت .. ليتها كانت أي شيء.. ليتها كانت و ظلت أي شيء .. و لكنها لم تكن و لم تظل أي شيء!
كانت الطفلة واقفة بهدوء بجوار مخلوق متشح بالسواد من أعلاه حتى أسفله و له ملامح غامضة لا تستطيع مهما أوتيت من فطنة أن تجزم بأنها رجل أو امرأة .. ولكن تكوين الجسد وحده يعطي دليلاً على كونها امرأة !
كانت الطفلة واقفة و على وجهها ابتسامة طفولية هادئة و في فمها مصاصة حمراء كبيرة و كانت تمسك بيد السيدة و تتعلق بها بشدة .. و لكن رغم ذلك فقد عرف البارون أن الفتاة ليست ابنة هذه السيدة .. و لم يعرف السبب الذي جعله متأكداً من ذلك .. إلا إن شعوراًَ طاغياً تملكه مؤكداً أنها ليست أبنتها .. و قد صدق شعوره .. فلم تكن هذه المرأة أماً لهذه المخلوقة الجميلة التي تشبه الملائكة .. مستحيل أن تكون هذه أماً لمخلوق أياً كان !
كان البارون يتطلع للطفلة بحنان ؛ فقد ذكرته ملامحها بابنته الحبيبة ماريانا ؛ عندما بدأت طقوس القداس الشيطاني فجأة !
فبغتة سمع البارون ؛ و هو في موضعه الذي لم يغادره منذ حضوره ؛ ضربتين قويتين على صاج معدني فأجفل و نظر نحو مركز القاعة .. و وجد كل الحاضرين يفعلون مثله و يركزون نظراتهم على المذبح .. و كانت الطفلة في هذه اللحظة ما تزال واقفة إلى جوار هذه السيدة غريبة الملامح تلوك مصاصتها بسعادة و قد شعرت بنظرات البارون الحنونة نحوها ؛ رغم القناع المحكم الذي كان يرتديه ؛ فنظرت نحوه و ابتسمت له بشفتيها الملطختين بلون المصاصة الأحمر ابتسامة عذبة .. و لكن فجأة حدث ما لا يتصوره عقل !
حدث ذلك في لحظة ، بل في أقل من لحظة .. فقد فوجئ البارون بشخص من الواقفين حول العرش يتجه نحو الطفلة و يختطفها فجأة من مكانها بجوار السيدة و يحملها و يرقدها فوق المذبح !
ليس هذا فقط بل قام ثلاثة آخرون و ساعدوا هذا الشخص على التغلب على مقاومة الطفلة العنيدة و قيدوا ساقيها و يديها بالحبال ثم وضعوا غطاءً قماشياً أسود على وجهها .. و انطلقت صرخات الطفلة المسكينة المستغيثة و أخذت تستنجد بالسيدة التي كانت برفقتها و تصرخ بفزع :
- " خالتي صوفيا .. خالتي صوفيا ! "
و لكن خالتها " صوفيا " بدلاً من أن تحاول إنقاذها ما كان منها إلا توجهت نحو المذبح و أمسكت برقبة الطفلة البريئة بين يديها و أخذت تضغط عليها بوحشية !
و عند هذا الحد كان البارون قد فقد قوة احتماله فهرع من مكانه نحو المذبح صارخاً محتجاً محاولاً تخليص الفتاة البريئة .. و لكن الباقين منعوه بالقوة و كادوا يفتكون به لولا لوجو الذي تدخل لإنقاذه و حمله على الابتعاد عن المذبح بالقوة !
و هكذا بدأوا في تعذيب الفتاة الصغيرة !!
في البداية جردوها من ثيابها تماماً .. ثم تقدم أحدهم حاملاً مدية صغيرة و وقف بجوار المذبح الذي ترقد عليه الطفلة لحظة ثم صرخ بجنون :
- " من أجل سيدنا الشيطان ! "
و فجأة أغمد مديته في فخذ الطفلة فانهمرت دماءها و تعالت صرخاتها المستغيثة !
و صرخ البارون منليك و هو واقف مكانه و لكن الآخرين منعوه من فعل أي شيء و أحاطوا به إحاطة تامة !
و استمر التعذيب الوحشي لأكثر من ساعة .. فبعد طعنة المدية في فخذها طعنوها عدة طعنات أخرى في أنحاء متفرقة من جسدها الغض اللعين .. و مع كل طعنة كانت الدماء تتدفق و صرخات الطفلة تعلو مستغيثة متوسلة باكية بحرقة .. و لكن هيهات أن تؤثر دموع البراءة في قلوب حيوانية متوحشة لا تعرف الرحمة !!
و هكذا بعد أن امتلأ جسدها بالجراح النازفة .. أخذوا يكوون جسدها بالنار دون ذرة واحدة .. ذرة واحدة من الرحمة .. و كان البارون في موضعه يكاد يجن بينما ظهرت ملامح الجذل الوحشي على ملامح الخالة صوفيا !
و بعد عذاب لا يتصوره عقل قام أحدهم و شق صدر الطفلة ؛ و هي بعد حية تتنفس ؛ و أخرج القلب الصغير الغض الدافيء و قضم منه قضمة بوحشية لا مثيل لها .. و بعد دقيقة وجد البارون منليك تابعه لوجو يتقدم نحوه و في يده ؛ لعنة الله عليه ؛ قطعة من قلب الطفلة يقدمها إليه مطالباً إياه بأكلها !!
و غمت نفس البارون و أصابع رعب و تقزز لم يعرفه من قبل في حياته .. ثم أختلس نظرة طويلة إلى المذبح المغطى تماماً بدماء الطفلة ، و جسد الطفلة الممزق المعذب المسكين ما زال راقداً عليه و قد أغلقت عيناها البريئتين و كان من سوء حظها أن آخر ما تقع عليه عيناها هو هذه الوحوش المفترسة القذرة .. ألا لعنة الله عليهم و عليه و على لوجو وعلى الوريث الذي أورده موارد التهلكة !
و من تلك الليلة .. و بعزيمة لا تعرف الضعف قرر البارون ألا يعود لوكر الشياطين هذا .. مهما حدث و مهما كلفه الأمر .. و لكن منليك لم يعرف أنه سيدفع ثمناً أكبر كثيراً من كل تصوراته .. و أنه ليس ثمناً واحداً بل أثمان متعددة .. لقد دخل جماعتهم و عرف سرهم و ليس من السهل أن يتركوه يمضى هكذا ببساطة !
..........................
و مضت بضعة ليالي كئيبة مظلمة على البارون .. كان خلالها يعاني الأمرين مرة من إلحاح لوجو الدائم عليه بالعودة لحضور اجتماعات و حفلات جماعته الشيطانية .. ومرة من الكوابيس المتعددة التي بدأت تصيب زوجته و تقلق نومها و تفزعها .. و كان هذا كل يوم و كل ليلة !
و تطور الأمر حتى بدأ البارون يفضل أن ينام في غرفة منفصلة ليرحم نفسه من نوبات الفزع و الصراخ التي تصيب زوجته كل ليلة و بلا انقطاع !
و عندئذ بدأت تغييرات غامضة وغريبة تحدث للبارونة رافقها ؛ في نفس الوقت ؛ امتناع لوجو التام عن دعوة سيده الحارة لحضور قداسات الجماعة و حفلاتها السوداء !
و بعد مرور شهر و في ليلة قر باردة شديدة البرودة و ممطرة شاهد البارون منظراً أفزعه و روعه لدرجة أنه نسي كل ما شاهده و مُحي من ذاكرته و كأنه لم يكن !
ففي هذه الليلة كان منليك يتهيأ لدخول فراشه الخاص في حجرته المستقلة عندما داهمه فجأة حنين مفاجئ لزوجته جوليا ؛ التي كان يحبها رغم كل شيء ؛ و أحس بأنه يرغب في أن يكون معها في تلك اللحظة !
و فعلاً و دون تردد ارتدى البارون روباً فاخراً فوق ثياب نومه و غادر حجرته متوجهاً نحو جناح زوجته ولم ينس في طريقه أن يطمئن على بناته خاصة ماريانا الحبيبة التي كانت نائمة في فراشها كملائكة الميلاد !
وذهب البارون إلى غرفة زوجته و فتح الباب برفق رغبة منه في مفاجأتها بحضوره الذي سيسعدها كثيراً بلا شك .. و لكن عندما أطل البارون برأسه داخل الحجرة شاهد منظراً غريباً .. منظر أفزعه وصدمه و روعه لدرجة أنه ظل عشر دقائق كاملة في مكانه لا يفهم ما الذي يجري بالضبط !
كانت البارونة جوليا راقدة في فراشها الوثير مرتدية ثياب نومها الحريرية اللامعة و الفراش من تحتها و من حولها في حالة فوضى عارمة و كانت هي نفسها مغمضة العينيين و تتنفس بطريقة غريبة ، أنفاس قصيرة سريعة متلاحقة .. و فوق ساقيها يرقد هذا المخلوق !
مخلوق غريب ملتف بالظلام ولا حدود ولا ملامح واضحة له .. و استمر منليك يحدق في المشهد الغريب الذي يجري أمامه دون أن يدرك ما يحدث بالضبط .. و كل ما ظل يذكره بعد ذلك أنه أستيقظ صباحاً ليجد نفسه نائماً بجوار زوجته .. و كانت هي تلتصق به و تمسح خده و تمسد على رأسه بحب و حنان .. و السعادة تقفز من عينيها !
..........................
و بعد أشهر قليلة قام الطبيب بفحص البارونة و أعلن بسعادة أنها حامل .. للمرة الثالثة عشرة !
و اجتاحت موجة من البشر والسعادة البارون و كل الأسرة و كل من يعملون عنده و طغى إحساس غريب على الجميع يؤكد لهم أن الغلام المنشود آتٍ عما قريب .. و أنه قد آن الأوان أخيراً ؛ أخيراً أخيراً ؛ لكي يحصل البارون على الوريث المرتجى !
و نفس هذا الإحساس لازم الزوجة جوليا نفسها و جعلها تطفو في السماء في موجة هائلة من السعادة .. و استمر هذا حتى بدأت نوبات الألم المخيفة و تبعها تسرب هذا السائل الأسود اللزج كريه الرائحة من الرحم بشكل مستمر !
عندئذ بدأت البارونة تضيق بالأمر و تشعر بالضيق و الغضب الشديد كلما باغتتها نوبات الآلام المبرحة .. و كان سبب ضيقها و إحساسها بالغضب أنها وجدت نفسها مضطرة إلى تحمل متاعب الحمل و الولادة مرة بعد مرة بعد مرة ؛ إلى ما لا نهاية ؛ حتى تحقق للبارون حلمه و تأتي له بالولد المنشود .. و ذلك دون أي إلتفات لصحتها أو لمتاعبها !
و بدأت العلاقة بيت الزوجين تتوتر و بدأت جوليا تنظر لزوجها على أنه زوج أناني لا يعرف إلا مصلحته و أحلامه .. أما هو فقد ضاق فعلاً بها و بالبنات اللائي أنجبتهن له مفرخة البنات و تمنى لو أنه فعل فعلة أخيه و تزوج واحدة من سفلة الشعب .. لعلها كانت تكون أكثر حذقاً و مهارة من ابنة عم البابا !!
و مرت الشهور طويلة كئيبة مليئة بالألم و العذاب و القلق و الفزع .. حتى حان يوم الولادة الملعونة .. و يومها فقط تذكر البارون المشهد الغريب الذي رآه في غرفة زوجته ذات ليلة .. و فهم معناه و أصابع رعب و غضب وحشي لم يعرفهما من قبل !
لقد عرف الآن فقط ما الذي كان يجري بالضبط .. لقد ذهب إلى الشيطان ليهبه الولد ففعل .. و لكنه وضع تغييراً بسيطاً على الخطة .. فبدلاً من أن يمنحه ابن منليك منحه ابنه هو .. ابن الشيطان !
أو بالأحرى ابنة الشيطان .. التي من المفترض أنها ابنة البارون منليك .. ابنته الثالثة عشرة !
..........................
و مرت أيام قليلة كانت شديدة الوطأة على أسرة البارون منليك .. و على ابنته المفضلة ماريانا التي تحولت لما يشبه هيكلاً من العظام الجافة .. أو شبح بشر !
و كان الألم يعتصر قلب البارون كلما رأى الحالة التي وصلت إليها حبيبته و ابنته العزيزة .. هل هذا الوجه الشاحب المخيف و هذا الجسد الضامر الذابل و هذه البشرة الميتة الداكنة هي لماريانا ؟!
مستحيل .. مستحيل أن يصدق أن ابنته ستؤخذ منه هكذا ببساطة .. مستحيل أن يسمح بحدوث هذا !
و فكر البارون طويلاً طويلاً حتى توصل إلى الطريقة التي من الممكن عن طريقها إنقاذ ابنته من لعنة أفعاله القبيحة .. كانت طريقة مريعة و تحوي أخطاراً هائلة بالنسبة له .. و لكنها كانت للأسف الطريقة الوحيدة !
و أعلن البارون لأسرته أنه ذاهب إلى فرنسا ؛ التي لم يفكر في الذهاب إليها طوال عشرة أعوام ؛ لأمر في غاية الأهمية .. و دهشت ماريانا لهذا و قالت له بعينيين غائمتين مليئتين بالدموع و الألم :
- " هل تتركني في هذه الحالة .. أبقى معي يا أبي .. إنني أحتاج إليك "
فأجابها البارون بصوت يخنقه الحزن و الألم رغم أنه يحاول التظاهر بالشجاعة و الهدوء :
- " لابد أن أذهب يا صغيرتي .. ذاك أمر في غاية الأهمية ! "
و ذهب البارون و هو واثق و متأكد .. أنه لن يعود ثانية أبداً !
باريس بعد عشرة أعوام من الغياب !
باريس التي تركها مدينة زاهية راقصة منيرة معتزة بنفسها متباهية بجمالها الملكي ؛ حتى و إن كان زائفاً مصطنعاً ؛ و عاد إليها و قد أضحت مدينة الموت و الوحشية والظلام و المقصلة .. لم تتخلص بعد من لعنة " روبسبير " و كل جزاري الثورة الذين وضعوا مبدأ ( الحرية و الإخاء و المساواة ) خصيصاً ليخالفوه و يعملوا كل ما و ضد هذه المبادئ البراقة التي وضعوها تحت تأثير ( النبيذ ) و ( الروم ) الرخيص .. و عندما أفاقوا ندموا عليها و أعتبروها كأن لم تكن !
قصور النبلاء نُهبت و أصبحت مساكن للشحاذين و المتسولين و الحيوانات .. و الأراضي الشاسعة التي كان يملكها هو و أسرته قد صُودرت فيما صُودر و نُهب من الأملاك و الأموال .. و آه لو أحس أحد من جواسيس الثوار أن النبيل الهارب " فرانسوا منليك " قد عاد إلى باريس .. ستكون نهايته دون أدنى شك !
و لكن منليك لم يكن غبياً فلم يأتي إلى فرنسا تحت اسم مستعار اعتباطاً و لم يؤمن نفسه بمجموعة من المرافقين الأمريكيين عبثاً لأنه كان مهتم بإتمام مهمته التي جاء من أجلها لإنقاذ ما تبقى من ابنته الغالية ماريانا .. فهو ببساطة لم يأتي للعبث مع رجال الثورة المجانين أو لإضاعة وقته معهم !
و كان كل ما يهم البارون المتخفي تحت اسم ألبرت مونكان أن يعرف الموضع الذي تقع به مقابر أسرته القديمة الآن لأن جزء كبير من المدينة قد خُرب عمداً و تغيرت طبوغرافية المدينة إلى حد صار من المتعذر معه معرفة المواضع القديمة العزيزة .. و لكن البارون لم يعدم مرشداً و تمكن من معرفة الموضع الذي توجد به مقابر أسرة منليك العريقة القديمة التي أشاع رجال الثورة كذباً و بكل فخر أنهم قضوا على ثلاثة أرباع أفرادها و قضموا رؤوسهم بالمقصلة الحبيبة و ما زالوا في انتظار العثور على الربع الباقي من العائلة لينفذوا فيهم حكم الشعب .. رغم أن الشعب نفسه كان يعلم علم اليقين أن هذا ليس إلا هراءً و تخريف !
و وصل البارون إلى المنطقة الخربة التي تقع بها مقابر أسرته .. و لم يكن البارون يريد المقابر الرسمية نفسها .. بل كل ما كان يعنيه هو الموضع الخرب الذي يعلمه تماماً .. و الذي دفن به ضحاياه السبعة منذ أعوام تبدو له الآن بعيدة كل البعد .. هل هي لعنة من الله أم لعنة من الشيطان ؟!!
هل لعنه الله لأنه قتل ستة من الأبرياء دون ذنب و لمجرد أنهم أطلعوا على جزء من سره الرهيب و رأوا الشيطان الذي ولدته زوجته ، أم لعنه الشيطان لأنه قتل تابعه المخلص "لوجو .. الذي أكتشف البارون فيما بعد أنه كان أحد مختاري هذه الجماعة .. أي أنه يعتبر من كهنة الشيطان .. كهنة ( أسموديوس ) اللعين .. و لكن لا فالله لا يأخذ البريء بذنب المجرم و لو كان الله يعاقبه على جرمه لعاقبه هو نفسه و ليس ماريانا ابنته البريئة التي لم تجني على أحد .. إذن فمعركة ليست مع القدر أو الزمن الغادر أو المرض الخبيث .. بل مع الشيطان الذي أرتضى لنفسه أن يعاهده يوماً ما ثم خان عهده معه لأنه لم يحتمل تبعات هذا العهد الملعون .. معركة البارون كانت مع الشيطان و مع شخص آخر لن يصدق البارون أبداً من هو !
..........................
عندما وصل البارون إلى المنطقة المنعزلة لاحظ أنها هُجرت بالكامل على امتداد خمسة و عشرون ميلاً .. صحيح أن منطقة ( نوفارا ) هذه كانت مهجورة من الأساس و لكن بقربها كانت تقع قرى بسيطة عديدة كلها مهجورة الآن و البوم ينعق فوق بيوتها و أسطحها الخربة الخاوية !
دهش البارون لذلك الأمر فالغريب أن هذه القرى كانت ما تزال عامرة بالناس في الوقت الذي كان النبلاء الملكيون يستنزفون الفلاحين و البسطاء بالضرائب البالغة الارتفاع تماماً كما تستنزفهم الكنيسة الموقرة بالعشور و الصدقات التي هم في أشد الحاجة إليها .. و لكن الغريب أنه الآن و بعد زوال سلطان النبلاء و إلى حد ما الكنيسة أيضاً هُجرت القرى !!
أمر غريب غريب .. و لكن البارون سمع إشاعات كثيرة في قلب باريس نفسها عن ظهور متعدد لكائن شيطاني مخيف سبب ذعراً هائلاً لسكان المنطقة و أرغمهم على الفرار من بيوتهم و تركها .. لقد هربوا من المنطقة كالدجاج المذعور .. و طبعاً لم يكن البارون بحاجة إلى معرفة من أين أتى هذا المخلوق الشيطاني المخيف .. إنها ابنته .. ابنته الثالثة عشرة !
..........................
وحده مخترقاً ظلمات الليل و برد التلال و أطباق الضباب كان البارون منليك يخترق منطقة ( نوفارا ) المظلمة الموحشة .. تماماً كما أخترقها منذ سنوات طويلة هو وتابعه اللعين لوجو ليخفي سر عمره و جريمته الكبرى ولكن الفارق أنه ذهب المرة السابقة بصحبة رجل حي و ستة ميتين وعاد بمفرده .. و لكنه هذه المرة يذهب بمفرده تماماً و إن كان واثقاً أنه لن يعود !
هنا تماماً ..نعم المنطقة الملعونة التي يعرفها البارون جيداً و التي أخفى فيها جثث ضحاياه المساكين .. الطبيب و مساعداته و وصيفات زوجته .. و لوجو اللعين الذي لم تبكي عليه السماء ولا الأرض !
و هناك كانت تقبع قبة إردوازية غريبة الشكل يخفيها الظلام و الضباب .. هذه القبة لم تكن موجودة من قبل .. و لم يتساءل البارون طويلاً عن سر ذلك فقد أصبح كل شيء معتاد بالنسبة له .. و هل من رأى الشيطان و لامس يده من الممكن أن يدهشه شيء ؟!
و لكن القبة لم تكن خالية بل كان هناك ظل باهت يعلوها .. ظل لمخلوق يجلس فوق القبة متسربلاً بالظلام ملتفاً بالضباب الكثيف ..و عندما وصل البارون إلى زاوية نظر مناسبة أدرك أن المخلوق القابع فوق القبة له أيضاً جناحان هائلان فردهما بغتة وحلق بهما عالياً النسر الجسور متوجهاً نحوه .. نحو البارون منليك !
أرتجف البارون ذعراً و لكنه حافظ على ثباته الخارجي .. كان يدرك جيداً أنه إمام اختيارين : إما أن يستسلم لمخاوفه و ذعره و يلوذ بالفرار مضحياً بابنته الغالية ماريانا .. و إما أن يثبت و يتشجع و عندها ربما .. أقول ربما يفلح في إنقاذها !
و وصل المخلوق إلى حيث يقف البارون .. و حلق فوق رأسه بالضبط .. ثم هبط أمامه !
..........................
في هذه اللحظة كانت ماريانا المعذبة المسكينة ترقد فوق فراشها في غرفتها المظلمة بمفردها .. فقد ذهبت كل واحدة من شقيقاتها إلى حيث تشاء غير مباليات بها .. بل ربما كن سعيدات لأنها ترقد مريضة مرض الموت لعلها موتها يريحهن من الغيرة القاتلة التي يشعرن بها نحوها و يساعدهن على الوصول لمآربهن !
كانت ماريانا راقدة في الظلام تعاني سعالاً متواصلاً حاداً .. أخذت تسعل و تسعل و تسعل حتى كادت أضلاعها أن تتحطم .. و عندئذ رفعت نفسها بصعوبة عن الفراش و مدت يدها لتصل إلى المنضدة الصغيرة المحملة بالأدوية جوار فراشها .. كانت هناك عشرات وعشرات من زجاجات و علب الأدوية هناك .. و مدت الفتاة البائسة يدها إلى أقصى ما تستطيع حتى وصلت إلى علبة من الدواء ذات لون أصفر فاقع وسط كومة الزجاجات و الأدوية .. و فتحتها بصعوبة و هي تنهج تلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة و تناولت منها قرصين و همت ببلعهما بدون ماء .. و لكن فجأة و كأنه سحر اشتعلت إحدى الشموع المطفأة الموضوعة على حامل المرآة بمفردها .. و تراقص ضوء الشمعة و ألقى ضوءاً خافتاً على المرآة .. ضوءاً ضئيلاً خافتاً و لكنه يكفي لكي ترى ماريانا من موضعها على الفراش وجهها و ما آل إليه حالها ..
و ألقت ماريانا نظرة واحدة على وجهها فصدمت و روعت .. ألهذا أمر أبوها برفع المرآة من حجرتها و منع أي أحد من إعطائها واحدة .. من أحضر هذه المرآة إذن و متى ؟!
على أنه مهما كان الذي جاء بالمرآة و وضعها هنا بعد رحيل البارون إلى فرنسا فقد قصد أن يجعلها ترى وجهها .. و قد رأته !
تأملت ماريانا وجهها البشع المشوه لحظة واحدة .. ثم بهدوء مدت يدها إلى العلبة الصفراء مرة ثانية .. و في هذه المرة أفرغت كل ما في العلبة ببطء فوق كفها .. و بدون ماء أيضاً ابتلعت الحبات الصفراء واحدة وراء واحدة !
..........................
لم يخرج البارون " منليك " ثانية من منطقة ( نوفارا ) الموحشة و لم يسمع أحد عنه أي شيء بعدها .. و قلق رفاقه الأمريكيون لطول غيابه وبدأوا في البحث عنه أياماً و أسابيع و شهوراً طويلة دون جدوى .. و وجدوا أنفسهم مضطرين آخر الأمر إلى اللجوء إلى السلطات الفرنسية والاعتراف أمامها بحقيقة الرجل علها تساعدهم في البحث عنه .. و بالطبع لم يبدي الفرنسيون أي اهتمام بمصير الإقطاعي الفرنسي السابق .. بل لقد أسعدهم اختفاؤه الغامض واعتبروه دليلاً على حماية الله لثورتهم المباركة و انتقامه من كل أعوان الملك السابق .. و أولهم " فرانسوا منليك " الذي أتعبهم في تعقبه والبحث عنه طيلة هذه السنوات !
و اعتبر قادة الثورة هذا الأمر مكسباً سياسياً ونصراً لهم و أعلنوا بدون خجل أنهم تمكنوا من القبض على البارون الهارب منليك وأعدموه بالمقصلة !
و صدق الناس القصة الزائفة .. و وضُع اسم منليك في ملف من قضمت المقصلة رؤوسهم و ختم الملف بالختم الجديد و أودع في أرشيف الأمة الفرنسية بكل فخر و حبور !!
و لم يكن أحد يدري أن منليك قد ضحى بحياته و واجه أصعب تجربة يمكن أن يخوضها بشر و رأى من الرعب ما يكفي شعباً كاملاً .. من أجل أن ينقذ ابنته .. و لكن للأسف فقد ضحى بعمره من أجل لا شيء .. ففي نفس اللحظة التي كان البارون منليك يلفظ أنفاسه وسط الضباب والظلام في هذا القفر الموحش مردداً من قلبه :
- " من أجل ماريانا .. من أجل ماريانا ! "
كانت ماريانا نفسها ترقد فوق وسادتها مفتوحة العينيين على إتساعهما و قد تحولت لشيء أشبه بكومة من الجلد و العظام .. و لم يكن حولها سوى شقيقتيها شارلين و إليزابيث تتبادلان نظرات السعادة والبهجة .. لقد تعبتا كل هذا التعب و مشتا كل هذا المشوار الطويل من أجل هذه اللحظة .. و قد وصلتا أخيراً إلى ما تمنتا .. لذلك كان الحبور يملأ أعطافهما .. و الشيطان الذي عرفاه طويلاً و تقربا إليه بكل وسيلة ؛ يطل من عيونهما !
قصص من تأليف منال عبد الحميد
- أوريديان
- ليلة المرتفعات
- الرفيق
- أسطورة هاي
- رؤى القدر المحتوم
- سأعود إليك في الربيع
إقرأ أيضاً ...
السلام عليكم
ردحذفصراحه انا لا اعرف ماذا اقول يا استاذة منال يعجز اللسان عن وصف ابداعك ورغم اني قد نشرت قصة من تأليفي في هذا الموقع وانتظر نشر القصة الثانية إلا أني لن اصل إلى مستوى ابداعك بالكتابة فأنت متألقة بكل المقاييس، اتمنى أن صل إلى مستوى ابداعك يوما ما يا استاذة..
ويعطيج العافية.
6ahooor
ردحذفرااائعة جدا جدا
قصة اكثر من رائعة
ردحذفالقصة دي جميلة اوي لدرجة ان انا كنت متخيلة كل حاج بتحصل كأني شيفاها بالظبط وصدقت انها حقيقية
ردحذفالاستاذ كمال غزال المحترم
ردحذفلقد اعجبني الموقع جدا واشكرك على جهودك وانا من محبي مواضيع ما وراء الطبيعة. علماً انني خريجة ادب انجليزي من بريطانيا وقد علمت في احد المرات بحاجة الموقع لمترجين وبامكاني ترجمة مواد يحتاجها الموقع. بإمكان الاستاذ كمال الاتصال على بريدي الالكتروني [email protected]
واو قصة رائعه حتى انا امدمجت معها لدرجة اني تمنيت انها ما تخلص ابد شكر ^_^
ردحذفقصة جميلة بالفعل
ردحذفولكن فقط أرى الاشارة للعرب واسبانيا مفتعلة وتم حشرها في السياق حشرا
كما اني كنت اتوقع ان يلجأ الاب لشعائر طرد الارواح اولا قبل ان يقرر فجأة ان السفر لفرنسا هو الحل الوحيد
تحية لهذه الموهبة القصصية
أخوك أحمد حسني
قصة رائعة بكل المقاييس لدرجة انني فكرت بسرقتها ونسبها الي والقول انها من تأليفي(امزح فقط) اذا ترجمت القصة الى فيلم سيكون ناجحا لا محالة. فلما لا تحاولين ايجاد مسلك ليدي مخرج محنك زممثلين بارعين,فبلاظافة للشهرة قد تجنين قدرا كبيرا من المال.
ردحذفالمزيد من العطاء والتقدم وشكرا على المتعة التي اعطيتنيها
قمه الروووعه بس فيه اجزاء مفقوده يعني مااتوقعت تنتهي بهالشكل مااعرفنا بنته الاخيره ايش صار فيها وهل اخوات ماريانا مشتركات مع الشيطان
ردحذفبداية القصه جميل ولكن النهايه غير مقنع ابد وشكررررررا
حقيقه اكتر من روعه وكاني اشاهد فيلما حقيقي تصلح ان تكتب سناريو
ردحذفالقصة جميلة اوى وممتعة
ردحذفخيال اللامتناهي + ابداع =عمق التفكير ولكن !!!!! تمنيت استاذتي منال لو ان النهاية غير هذه النهاية المحبطة والبائسة 0000 وشكرا
ردحذفقصة قمة الروعة والخيال والاحترافية
ردحذفاحب هذا النوع من القصص
ولا أخفيكي سرا أنني عندما قرأت هذا القصة وعلمت أنها غير حقيقية ذهبت في اليوم التالي أقرأ كل قصصك على هذا الموقع الجميل وكل يوم لي موعد مع قصة جميلة من قصصك قرأت أغلبها الى الان
لقد أدمنت هذا الموقع في مدة قصيرة
أنت انسانة في قمة البراعة والمهارة
اه اه مااحسن العيش في الخيال الجاهح خيال لا ينتهي ابدا وصدق اينشتاين حينما قال الخيال اهم من المعرفه > لماذا اخوتي تعتقدون ان اينشتاين قال هذه العبارة هاه لماذا ؟ نعم نعم نعم صدقتم لان الخيال ليس له حدووووود
ردحذفهنيئا لك اختي منال لخيالك الواسع وهنيئا ايضا لي لاني استمتعت بقراة قصتك وانا والله منذ نعومة اظافري وانا احب قصص الخيال والغموض والاثارة والحمد لله ان هذا الموقع اروى خيالي بعد ان كنت متعطشة الهث وراء قصصا مثل هذه
اختي منال والله اني اشكرك من كل اعماق قلبي لانك ابحرتي بي في خيالك
اختي منال لا اخفيك انا احبك واحب قصصك لدرجة الطغيااااااااااااااااااااان
تحياتي 00 تمنيت ان اصبح مثلك يامعلمي ---- وساصبح مثلك يامعلمي اي------
يا سلاااام ماهذا الابداع انهذه القصة رائعة لدرجة اني تصورت نفسي فيها
ردحذفوشكرا على هذه المواضيع الرائعة
وانا اصدق هذا الموقع
شكرا
مشكورة أختي والله قصة رائعة جداً عدا النهايه المحبطة
ردحذفاموت في موقع قصص ما وراء الطبيعة قصصو دخلني جو الرعب
ردحذفقمة من الابداع ... بالتوفيق يا منال !
ردحذفرااااااائعععة
ردحذفreally like !
ردحذفشكرا لك يا أخت منال على القصة الرائعة
ردحذفاتمنى لك مزيدا من التقدم والازدهار
ان هدا في غاية الغرابة في الاصل انا اكره كل ما يتعلق بالرعب كلن هده القصة ابهرتني تماما.
ردحذفمرااا حلوة القصة
ردحذفاستمتعت بقرائتها جداااا
شكرا جزيلا لكي
القصه جميله جدا
ردحذفراااااااااااااااائعة منال عبدالحميد ابداع بلا حدود
ردحذف