28 سبتمبر 2010

ذات الثوب الأبيض - جزء 1

انهكه طول الرحلة والعتمة التي تلف الطريق أمامه ...نظر لساعة السيارة فلاحظ انه قطع اربع عشرة ساعة دون ان يستريح ، أشعل سيجارة ليتمكن من إبعاد النعاس الذي بدأ يغزو جفونه ....نفث الدخان من فمه وأدار المذياع تنقل بين المحطات وفي الصخب الذي رافق الأغنية ومن بين الضباب الملامس لرؤوس الجبال ..ظهر له على السفح خيال لم يستطع تحديد إن كان رجلا أم إمراة كل ما شاهده خيال أبيض كأنه يهم بالقفز ...

كلما أقترب من الجبل وضحت الصورة كانت فتاة بملابس بيضاء كأنها ملاكا ...شعر طويل تركها وسافر مع الهواء ليضفي عليها مزيدا من السحر ..لم تلتفت إليه عندما أوقف سيارته وترجل منها ...تعلق نظره بها وتساءل : " ما الذي يدفعها للإنتحار ؟"  نادى :

- " يا صبية ...تراجعي لا يوجد ما يستحق الإنتحار!! "

وكأنها صحت من غفوتها نظرت إليه بتعجب،  ضمت يديها لصدرها، أراد قطع الشارع بإتجاهها، لكن سيارة معاكسة قاطعته وترجل منها شخص يسأله إذا أراد مساعدة ..نظر الى السفح يريد لفت إنتباه الرجل للفتاة ولكن عجباً أين هي ؟!  ،  كأنها تبخرت لا يوجد إلا صفير الهواء يقطع عليهما حديثهما .

عاد الرجل يسأل، فتذكر وجوده وقال :

- " لا شكرا أظن أن التعب نال مني، يجب أن أستريح قليلاً ! "

قال له :

- "هناك فندق على بعد كيلومترات قليلة في بلدة قريبة تستطيع قضاء ليلتك فيه "

بقيت عيناه معلقتان بالسفح هل ما شاهده حقيقة أم أن النوم خيل له هذا المشهد ؟ لم يتنبه لنفسه إلا عندما سمع سائق السيارة الأخرى يغادر ..كان الضباب يلتهم السفوح والطرقات والعتمة تلف المكان حتى باتت سيارته كأنها بعيدة عنه ...أصابته القشعريرة وشعر بجسده يستنفر كأن هناك من يراقبه !

أسرع الخطى ركب سيارته ونظر مرة أخرى للسفح ليتأكد ولكنه كان خاليا ..أكمل طريقه للقرية القريبة لينام قليلاً .

بدأت أنوار الفندق تعلن عن نفسها خارجة من خلف ستائر الجبال صوت كانت الأغنية المنبعثة من المذياع وذكرى السفح الشيء الذي يجعله مستيقظا .

وصل لموقف السيارات ..وهم بالترجل كان الفندق خاليا كأنه مهجور لا سيارات في الموقف ...ولا أناس ... بقي لفترة يجلس على مقعده ..أصابه الخوف وتذكر السفح ...شعر بالذعر فجأة وأطبق باب سيارته وأخذ ينتظر عل هناك من يشاهد سيارته في الموقف فيأتي إليه !

أنوار تضيء المكان وصوت الهواء يقوى مع مرور الوقت . أمسك بياقة معطفه وشدها على أذنيه،  لم يعلم سبب القشعريرة التي إحتلته فجأة ، تأكد من التدفئة الخاصة بالسيارة وأنها تعمل بشكل جيد، طال وقت بقائه في الموقف، فتح الشباك ونادى بصوت مبحوح لعل أحدهم يخرج من هذا الفندق الغريب ..

جفل عندما أتى صوت كالهمس من خلف أذنه :

- " تفضل "

 أدار وجهه بقوة بإتجاه الصوت .. كمن هزته الرياح التي رافقت الصوت ... كانت هي بثوبها الأبيض وشعرها الأسود .... ألجمه جمالها ..عيونها حبات لوز ذابت خضرة الأشجار وصبت بهما .... بياض بشرتها يفوق ثوبها الأبيض الطويل الذي يغطي قدميها ....

لاحظت سكوته ونبهته كأنها تلمسه على كتفه :

- " هل أنت بخير؟ "

كان صوتها ناعما لا يكاد يسمع ..هزته قليلا وأعادت :

- " هل أنت بخير؟ "

تمالك نفسه وسألها :

- "  ألست من كنت على السفح ؟ "

إبتسمت وغاب مع إبتسامتها ...ثم عاد لصوابه : " ما بالي وكأني أرى إمرأة لأول مرة ..لقد نال مني التعب الكثير "، رد قائلاً :

- "  أريد حجز غرفة في الفندق ولكن إعتقدت أنه مهجور !! "

نظرت بعيون ملأها الحزن بإتجاه الفندق وقالت :

- " لا ليس مهجوراً ولكن الوقت متأخر والجميع نيام ، تفضل معي سأحجز لك غرفة ، فالتعب باد على وجهك ! "

مشت قليلا لتفسح له الطريق بينما ترجل من سيارته وأخذ ما يلزمه منها ..بدأ المطر يهطل خفيفا وهذا زادها سحرا كانت خطواتها كأنها تطير بهدوء حتى أنه خيل إليه إنها فعلا لا تسير على الأرض أصابته القشعريرة وأبعد هذا التفكير عنه ...أسرع الخطى وسألها مرة اخرى :

- " ألم تكوني على السفح؟ "

وصلا إلى ردهة الفندق حيث إستقبله خلف الباب عامل حمل حقائبه مبتسماً ...ونظر بإتجاهها ولكنها اختفت أدار رأسه يميناً وشمالاً متسائلا عنها ، وسأله الموظف :

- " هل من خطب سيدي! "

أشار إلى المكان الذي تركها تقف به :

- " أين ذهبت الفتاة التي كانت معي ؟ "

 نظر إليه الموظف مستغرباً وقال:

- " لا أعلم ! لم أشاهد غيرك تتجه الى هنا "

عندها نظر إليه متعجبا ! أعاد الموظف سؤاله :

- " هل أنت بخير سيدي يبدو على وجهك الشحوب! "

أجاب :

- " نعم أشعر بالتعب والصداع أريد غرفة أقضي بها ليلتي " ، قالها وهو يتلفت باحثا عنها

إستوقفته نظرات الموظف وكأنه ينظر لمجنون .. رافقه الموظف الذي يحمل إسم عادل إلى غرفته ، إستعجله وأغلق الباب على نفسه ورمى بجسده المنهك على السرير.

أخذ يسترجع أحداث الساعات الأخيرة منذ دخوله لحدود هذه القرية وكل شيء يحدث معه غريب ...إنقلب على جنبه وصار يراقب حبات المطر تغسل الزجاج وفي لحظات غط في نوم عميق.

بدأ جولاته في اليوم التالي حول المنطقه المحيطة بالفندق ، وفي أرجائه آملاً أن يجد فتاته ذات الثوب الأبيض ..ولكن حاول عبثاً لم يستطع حتى أن يسأل عنها الا في اليوم الاول عندما استفسر من الموظف عادل عدة مرات انه لم يرى سواه في موقف السيارات ، وكانت اجابة عادل كل مرة نفس الإجابة :

- " لقد كنت وحدك سيدي ! "

مرت الأيام ولا جديد ، فعزم على مغادرة المنطقه في اليوم التالي .

كان البحر هادئاً أمواجه كطفل يرفع يديه مرحباً بطيور النورس يدعوها للعب معه فكلما إقترب طائر رفع البحر يداه مداعباً فيبتعد الطائر ثم يعود ..إيقاع جميل دعاه للجلوس على الشاطئ ... ومن بين الأمواج ظهرت بقعة كريستال شفافه بدأت تطفو على السطح وقف ليتأكد أن ما يراه ليس خيالا ...ولكنها بقيت تطفو إلى أن إكتملت وإستقرت على السطح إقتربت منه ومنعه من رؤية ما بداخلها أشعة الشمس التي تعكسها الكرة ..بقيت تقترب إلى أن إستقرت أمامه وتفتحت كما تتفتح زهرة في فصل الربيع وداخلها فتاة الثوب الابيض نائمة وجهها بين يديها للأسفل كراقصة باليه تتحضر لبدء رقصتها ... تثائبت وفتحت عينيها بهدوء تتأمله ..رفعت يدها تدعوه ليجلس بجانبها ..أمسك يدها وجلس بجانبها يسحره الموسيقى المرافقة للموقف وكأنه قد سحر وشعر كأنه يطوف فوق الغيوم ...أراد التحدث معها وفجأة بدأت الكرة تغلق ابوابها ...أدار نفسه يريد مغادرتها ولكن لمستها الرقيقة على معصمه اصبحت اكثر قوة اراد افلاتها ولكنها جذبته لداخل الكرة نظر بإتجاهها لكن المرأة الجميلة تحولت الى عجوز طاعنة بالسن وكأنها خرجت من قبرها ..فأصابه الذعر وأخذ يعاركها لتبتعد عنه كلما زاد ابعدها عنه كلما تشبثت به اكثر اغلقت الكرة ابوابها عليه وبدأ يصرخ ويستغيث .....حتى سقط عن سريره .

كان العرق المتصبب منه يغرقه وشعور الاختناق يمسك صدره ..عدل جلسته ومسح العرق عن جبينه واستوقفه معصمه !! ما هذا الاحمرار المحيط به ؟ امسكها بيده الاخرى ودلكها ..كان الاحمرار المحيط كأصابع اليد تحيط معصمه وتذكر الحلم ..هل من المعقول ان ينتقل تأثير الاحلام للواقع بهذه القوة؟ بقي على هذه الحاله قليلا من الوقت الى ان سمع صوت طرقات خفيفة على باب غرفته .. توجه للباب وفتحه قليلا ولكن لم يجد احدا كان بهو الفندق فارغا هادئا ...اراد العودة لغرفته فتفاجأ بها أمامه نظر خلفها وسألها :

- " من أين أتيت ؟"

ابتسمت وأشارت لآخر البهو:

- " من هناك " .

لم يكن هناك سوى باب لغرفة واحدة وجدار ينهي البهو ..قالت له والرجاء يملؤها :

- " هل ترافقني اليوم للتنزه في حديقة الفندق إنها تطل على البحيرة وهناك أشجار وارفة نستطيع تناول طعام الغداء في ظلها "

سكت متعجباً وقال في نفسه : " انها جريئة لتطلب ذلك فلو كانت فتاة غيرها لأنتظرت مني دعوتها ! "

تنبه ليدها تلوح امام عينيه لتلفت انتباهه لوجودها ..واعادت سؤاله بهدوء..

قال لها: 

- "  سأوافيكي في ردهة الفندق بعد ساعة "

تهلل وجهها و قالت كمن تذكر شيئاً :

- "  بل سأنتظرك في الجهة الشرقيه من الفندق ".

اغتسل وبدل ملابسه ...ونزل لموظف الاستقبال ويدعى مالك ...رحب به وسأله عن مخططاته في هذا اليوم فأجابه انه سيلتقي بفتاة جميلة في الجهة الشرقية من الفندق ، غمز له مالك وقال :

- "  بالتوفيق .."

اراد الابتعاد ولكنه عاد وسأل :

- " هل نزلت الآنسة "

واعطى صفاتها للموظف

- " أما زالت في غرفتها ؟ "

أصاب مالك الذعر واستوقفه السؤال ، ابتلع ريقه وامسك بحافة الطاولة ..وأجاب :

- " لا يوجد فتاة بهذه المواصفات في فندقنا .."

خرج من الفندق نازلاً الأدراج ينظر لهندامه ، التف للجهة الشرقية ولكنها لم تكن هناك .. جلس على احد المقاعد ينتظرها .

طلب فنجان قهوة واخذ يرتشف منه ببطء ينظر حوله عله يلمحها ... ينظر لساعته ولكن الملل وطول الانتظار دفعه للتجول وحده فإنه لم يأت لهذه الجهة في الايام السابقة كان يعتقد انها غير صالحة للتنزه ، ولكنها عكس ذلك...

كانت الحديقة مطلة على بحيرة جميلة لفتها الأشجار العارية من الأوراق

وكأنها تستنفر هذا الجو الحزين المخيم على المنطقة ..لم يعلم لماذا انتابه شعور الحزن فجأة ولا يعلم كيف ظهرت امامه من الفراغ ! عاد خطوة للوراء : 

- " أتعلمين اصبحت تخيفينني كيف تظهرين وتختفين هكذا فجأة ؟!  كأنك تولدين من الهواء ! "

بقيت صامتة ولاحظ لأول مرة أنها صفراء شاحبة البشرة،  عاد فسألها بقلق:

- " هل انت بخير؟ "

لم تجبه وزاد من قلقه عليها عبوسها المستمر وشعور آلام تعتصرها وضعت يدها على صدرها وشدت من قبضتها شاهد الدم يتدفق من بين اصابعها وعيونها جاحظة انحنت للأمام وهو يقف مشدوها لا يدري كيف يتصرف ؟ وهل من الحكمة ان ينادي على احدهم ليساعده ام أنهم سيتهمونه بقتلها ؟ كيف يفكر بهذه الأفكار وامامه انسانة تموت !!!

تدارك نفسه واراد الاقتراب منها ولكنها سقطت على الأرض تروي التراب بدمائها وتصيح وتئن متوسلة له :

- "  ارجوك "

ورفعت يدها الملطخة بالدماء .

- "  ارجوك ساعدني "

كان وجهها كأمرأة في الستين وتذكر الحلم فهرول مبتعدا نحو الفندق ينادي بأعلى صوته ساعدوني فهناك فتاة تموت في الحديقة ، ركض أمامهم يرشدهم لمكانها لا يعلم كيف وصل الجميع لمكان سقوطها كان مالك اول الواصلين يتبعه حامل الحقائب ابعدهم عن طريقه ليريهم الفتاة ولكن لم تكن هناك تقدم من المكان الذي سقطت به ووقف في نفس المكان ولو كانت موجودة لكان الآن يقف على ظهرها نظر الى الموجودين وكانا ينظران اليه ووجهيهما شاحبين يظنان أنه مجنون ، تدارك الوضع وقال بتوتر:

- " هنا إنها كانت يجب "

ونظر لهما يهزان برأسيهما :

- " انا متأكد انها سقطت هنا وكانت تنزف دما "

عاد ونظر الى مكان سقوطها :

- "  الدم.. نعم هنا.... كان دمها ينزف !! ألا تصدقانني... لست مجنوناً ، لقد طلبت مساعدتي ! "

امسكاه من كتفيه يقودانه للفندق كأنه طفل صغير يتلقى العناية من مديره واستاذه وقال له مالك بقلق:

- "  نحن نصدقك ولكن لا جثة ولا دماء فأين ذهبت ؟! "

انتفض من بين ايديهما وقفز امامهما معانداً لسلوكهما الذي اعتبره شائناً :

- " لا تعاملانني على انني مصاب بمس وانه يجب مراعاتي ، لقد شاهدتها تنزف وتسقط امامي ، لقد كلمتها وطلبت مساعدتي يجب ان تبحثا عن جثتها ، لا ان تعاملانني كمهووس " .

ثم عاد وذهب للمكان الذي سقطت به كان التراب رطباً بفعل المطر الذي تساقط في الليلة الماضية والعشب المحيط بالمنطقة مبتلاً ، قال بخوف:

- " هنا كانت تقف عندما نزفت يجب ان تبحثا عنها ".

لاحظ وجومهما ونظراتهما التي يتبادلانها وكأنهما يريدان اقناعه بأنهما يصدقانه ، لكنه غضب وصرخ بوجهيهما


- " أنتما لا تصدقاني سأذهب لغرفتي لقد اصابني الإعياء "  .

تركهما خلفه وتوجه لغرفته،  اخذ يفكر ما هذا الفندق المجنون ؟! ،  صعد الدرج وهو يقول كأنه يتحدث مع نفسه: " لقد كانت امامي تستغيث.. لقد سقطت أمامي " ، فتح باب غرفته واصبح داخلها وصرخ : لقد ماتت أمامي ! زاد صراخه واخذ يقفز كمن أمسك سلك كهرباء عالي الضغط لستِ حقيقة أنت خيال لقد متي أمامي كيف حدث هذا ....أنت ...كيف ...ابتعد" ،  يريد فتح الباب والهروب من الغرفة التي حبس بها فجأة دون أن يعلم كيف ، نظر الى حيث تجلس ..كانت تجلس بثوبها الأبيض على حافة سريره مبتسمة ...

صرخ بأعلى صوته :

- " ارجوكم ساعدوني"

حاول فتح الباب ... لكن دون فائدة... كأنه لُحم بالجدار ...نظر الى حافة السرير ...كانت قد وقفت وتحركت باتجاهه الصق ظهره بالباب واخذ يتوسل اليها :

- "  ارجوك لا تقتربي مني ، ادعوك بكل الأسماء أن تبتعدي "

ولكنها بقيت تتقدم صامتة رفعت يديها كأنها تدعوه لتضمه ، كان هذا آخر شيء يشاهده قبل ان يغيب عن الوعي.

إستيقظ على طرقات خفيفة،  لم يستطع تحديد مكانها وكان يشعر بصداع يحفر في رأسه وقف يسترجع ما حدث معه ، تذكرها ونظر مفزوعاً الى حيث كانت تجلس ولكنها غادرت لم تكن موجودة ، قرر ان يترك المكان ويغادر هذا الفندق المسكون ، اخذ يسابق نفسه بتجميع ما تذكر من أغراضه ، ولكن الطرقات الخفيفة عادت من جديد انصت قليلاً كانت تأتي من الباب كأن شخصاً يستأذن ليدخل ولكنه تجاهلها وعاد ليكمل عمله قال في نفسه سيعلم الطارق انني ساغادر عندما أفتح الباب ، حمل حقيبته وفتح الباب يريد الخروج من الغرفة ولكنه تفاجأ بها خلف الباب..

صرخ مذهولاً وسقطت الحقيبة من يده ، قال متوسلاً:

- "  ماذا بربك ؟"

طلبت منه ان يهدأ .

- " كيف تطلبين مني ذلك ، من أنت ؟ لقد شاهدتك تموتين أمامي !!"

قالت له :

- " إهدأ اريد أن اطلعك على أمر مهم اريدك ان تساعدني" ونظرت اليه متوسلة .

كان يقف على باب الغرفة عندما جاء عادل ليطمئن عليه ، تهلل وجهه وطلب منه ان يسرع الخطى قائلاً:

- "  الحمد لله أنك أتيت إنها هنا " ، وأشار الى حيث تقف ، نظر عادل الى حيث يشير وقال بإستغراب:

- " هل انت مرهق جداً لدرجة انك ترى أشياء غير موجودة؟! "  ، تعجب ونظر اليه متوسلاً :

- " انها هنا .."

ذهب الى جهتها وحاول لمسها لكن يده تخللتها ارتعد وأعاد يده للوراء ونظر ثانية اليها وحاول من جديد ولكن يده تخللتها .

نظر لعادل اترى ما يحدث ؟ رد عليه بغضب:

- " سيدي أخاف ان تنشر البلبلة في أرجاء الفندق وخاصة بعد أن جاء نزلاء جدد ، أطلب منك ان ترتاح قليً لتبعد هذه التصورات من عقلك "  .

غضب من التعالي الذي احسه في صوت عادل وقال :
- " وإذا لم التزم بطلبك؟ "

اجاب عادل :

- " اطلب منك مغادرة الفندق بهدوء "  .

غادر عادل الغرفة واغلق الباب خلفه ، عاد ونظر الى مكانها ولكنها هذه المرة لم تتحرك وكأنها تنتظره .

سألها :

- "  كيف تفعلين ذلك؟

 قالت :

- " لا أعلم ، لا أحد يراني إلا أنت ، ولا تسألني عن السبب ، فمنذ ان سقطت عن الجرف واستيقظت بعدها لم أعد استطيع محادثة أحد وكنت الوحيد الذي استطعت التحدث اليه منذ تلك الفترة " .

- " أتمزحين أنت؟ كيف هذا أمجنونة انت ؟ " ،  اأذ يهدأ شيئاً فشيئاً ولكن الشعور بالخوف ما زال يستوطنه .

فقالت :

- "  بالفعل لا أعلم لماذا تحدث معي هذه الأمور الغريبة ، حاولت التحدث مع والدي ، مالك الفندق ووالدتي ،  ولكني لا أجدهما هنا ، بحثت عنهما في أرجاء الفندق ولكن دون جدوى ! "

- "  أيملك والدك هذا الفندق؟ "


- " نعم منذ زمن بعيد ، يدعى سامي الظاهر "

فكر قليلاً وقال :

- "  لم أسمع اسمه يتردد هنا في الفندق ، أتعلمين انت تكذبين "  ،

 قالت متوسلة وهي تقترب ـ قال متداركاً وقد عاد خطوة للخلف :

- " ابق حيث انت لا تقتربي والا لن نتحدث ".

توقفت والحزن مرسوم على وجهها :

- " حسناً ولكن ارجوك أنت املي في العثور على والدي ووالدتي ، أريد أن أعلم سبب تجاهلهما لي وأين ذهبا وتركاني ؟ "  

قال متسائلاً :

- " ولماذا أقدم  يد المساعدة لك ؟ لا اعرفك ولا تربطني بك صداقة او معرفة ! "

قالت له بعد تفكير قصير:

- "  ساعطيك مبلغاً من المال عندما أجد والديّ " .

لم يقتنع بالعرض فهو مكتف ماديا ولديه من المال ما يزيد عن حاجته ، ولكن وجهها الجميل مع شحوبه دفعه للقول:

-  " سأساعدك ولكن دون نقود "

وتعجب من نفسه فهي خيال غير حقيقة لا يعلم ان كانت روحا أم من الجن!

شكرته ولأول مرة يراها تضحك تحرك قلبه وشعر بالهواء العليل يملأ صدره كأنه يلتقيها للمرة الاولى ...

كان القمر مكتملاً يقبع خلف النافذة والغيوم تتسلل اليه ببطء ، وهي تقف في منتصف هذه الصورة كأسطورة ( البانشي سيدة التلال ) التي قرأ عنها في موقع الكتروني قبل أيام من سفره، هذه الاسطورة التي تتحدث عن امرأة بثوب أبيض تندب وتولول في ليلة وفي الأيام القليلة القادمة يموت أحد أفراد العائله للشخص الذي رأها وسمع صوتها وعويلها ، ولكن فتاته هادئه تكاد لا تحس شعر برغبة في ضمها ولكنه خاف عندما لاحظ انها تقترب وقال لها متداركا :

- " لقد وافقت على مساعدتك ولكن ضمن شروط، اول هذه الشروط ان تبقي بعيدة عني

أجابته بحزن :

- " ولكني لن أؤذيك ! "

فقال:

- " لا يهم ولكن ابقِ بعيدة قدر المستطاع ، والشرط الثاني ان لا تظهري لي فجأة ، أشعر بالموت يقترب مني عندما تقفزين في وجهي "

قالت له :

- " لا أعلم كيف لا يراني الا شخص جبان مثلك ، فمنذ التقيتك وأنت خائفا مهزوز المشاعر لا تقوى على فعل أي أمر ينم عن الرجولة

كمن تلقى صفعة على وجهه وتفاجأ بكلامها وتماديها معه ، أجابها منفعلاً:

- " لست من يقيمني فمن أنت في هذا العالم ، مجرد خيال ..أنت لا شيء! "

امتقع وجهها وتحول لونه لأزرق كمن اختنقت فجأة ، ابتلعت ريقها بصعوبة وملأت الدموع عينيها ، لقد جرحها ندم على حديثه واقترب منها ولكنها تبخرت ، لم يعلم كيف ذهبت ولكنه لام نفسه بصوت عال

- " غبي ...أنا غبي "

مضى ثلاثة أيام دون أن تظهر حاول البحث عنها في كل المناطق التي اعتاد ان يلتقيها فيها كان يلتزم غرفته لفترات طويلة دون أن يغادرها وكلما دق الباب ركض بإتجاهه معتقدا أنها عادت ، ولكنها لم تظهر ، طال الوقت وأخذ القلق يدب في قلبه :لماذا أقلق عليها طيف من الأطياف لا يهمني امرها . يقف على النافذة المطلة على البحيرة تاه في صفائها لا يوجد بحيرة بهذا النقاء ،  حدث نفسه قائلاً:  " هذا ما جعلني اوافق على مساعدتها فهي صافية كهذه البحيرة لم يلتق فتاة بشفافيتها كانت تعكس نقاءها الداخلي على تصرفاتها ووجهها الجميل الذي لم يعد يفارقه ...سحقاً كيف وصلت لهذه المرحلة من التفكير ولماذا تحتلني هكذا ...أأكون قد احببتها ...لا هذا مستحيل كيف يحدث هذا بسرعة ..وكيف لي أن أحب طيفا "

أبعد التفكير بها ، غادر غرفته واستقل سيارته لا يعلم أين يتجه كان كل همه أن يتركها تغادر ذاكرته .
يــتــبــع ....

- إقرأ الجزء الثاني والأخير

نبذة عن مسيد المومني
حصلت مسيد المومني (32 سنة) على بكالوريوس صحافة وإعلام من جامعة اليرموك حيث تعمل حالياً بقسم الإعلام في مؤسسة تجارية، ولدت في إحدى قرى الأردن وترعرعت في طبيعة ساحرة بلورت في نفسها حب الأحلام والخيال ، تعلقت بالقصص الرومانسية التي كانت ترويها جدتها وشعرت برغبة بدمج الخيال مع القصص الشاعرية وترفد موقع قصص ما وراء الطبيعة بإبداعها من قصص الخيال. سبق لـ مسيد أن عاشت تجربتين واقعيتين نشرتا على موقع ما وراء الطبيعة وهما كرة ضوء غامضة وحادثة طريق إربد- عجلون، تراودها من حين إلى آخر رؤى تنبئ عن رسائل تتحقق في الواقع .



إقرأ أيضاً ...
- قصص الخيال: سأعود إليك في الربيع
- البانشي : أسطورة سيدة التلال

هناك 28 تعليقًا:

  1. قصه جميله حدا

    ردحذف
  2. قصه جميله وان كانت من وحي الخيال

    ردحذف
  3. رائعة جدا .. جميلة لقد جذبتني واكملتها كلها.

    ردحذف
  4. مسيد القصخ كتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتير بتجنننننننننننننننننننننننننن وان شاء الله للامام يارب

    ردحذف
  5. انا ايديل بتجنننننننننننننننننننن القصه وان شاء الله بتصير مسلسل عشان نحضره

    ردحذف
  6. قصة حلوة

    ردحذف
  7. قصة جميلة
    موضوع السيدات البيض من أشهر مواضيع الأساطير الحضرية

    ردحذف
  8. مسيد المومني29 سبتمبر 2010 في 10:45 ص

    اشكر الجميع على تعليقاتهم التي وان قصرت اعتبرها رائعه واتمنى ان تكون الاجزاء او الجزء القادم عند حسن ضنكم
    كل الاحترام للجميع

    ردحذف
  9. روعة القصة

    ردحذف
  10. سلمت وسلم قلمك، وأعلم جيداً أن هاذا أقل ما تملكين وبإنتظار الأكثر


    إيناس البدر

    ردحذف
  11. كاتبتنا العزيزة مسيد المومني مزيداٍ من التألق

    ردحذف
  12. اقول شي بس بصراحه وبدون مجمله ..؟.؟.
    اروع قصه قرتها وسمعتها في حياتي واستمتع جداا في قريتها .,.,^_^

    ردحذف
  13. راااااااااائعه
    جد انتي جدكاتبه الله يقويكي شو انك مرتبه

    ردحذف
  14. مسيد

    قمة التألق

    أنس الردايده

    ردحذف
  15. مسيد المومني3 أكتوبر 2010 في 10:09 ص

    صباحكم سعيد
    وكل الشكر للجميع
    شاعرنا وكاتبنا الكبير انس منور دايما

    ردحذف
  16. اشتغرب من البعض الذي يكتب الثناء والتقدير على مثل هذه القصص والخزعبلات والاستخفاف بعقول قرائها فانا بنظري مثل هذه القصص تعبر عن ما تكنه النفوس من داخلها من امراض مزمنه و مشاكل اجتماعيه او عاطفيه او عقليه او .... اذا فلا داعي اصلا لقرائتها لانه بطبيعة الحال تنشر على المواقع غصب عنا

    ردحذف
    الردود
    1. هذا ليس استخفاف كما تظن ولكنه موهبه الخيال الواسع وهى ليست مرضا مزمنا ولكنه مجرد هروب من الواقع والمشاكل عن طريق تخيلنا للحياه التى نريدها والتى تملاها الخير والحب والامن والامان والطبيعه الساحره والرومانسيه وكل هذا لن نجده الا فى عالم الخيال والاحلام اتمنى ان ترى تعليقى ذات يوم وتفهمه جيدا انتظر الرد SA

      حذف
  17. هل هذه القصة حقيقية ام لا...؟

    ردحذف
  18. مسيده المومني28 نوفمبر 2010 في 11:55 ص

    السيد غير معروف
    هي قصه خياليه ليس إلا

    ردحذف
  19. ابدعتي في سرد الخيال الواسع الموجود لديكي
    ولكن لاتعتمدي كثيرا على ذكر المس في جميع قصصك؟؟؟؟؟
    ولكني استمتعت كثيرا بلقراءة لانها كانت رائعة
    دمتي ودام قلمك


    الصغيرة المظلومة

    ردحذف
  20. القصة جميلة جدا

    ردحذف
  21. سلام قول من رب رحيم اشكرك على كتابتك والى مزيد من التقدم هي من خيالك ولكن تحدث في الواقع وانا كثير تحدث لي قصص ولكن لاعرف اكتبه او اوصلها بالمعنئ الواضح والصور المفصله وربما لاني تعرضت لتكذيب الناس مع انها تبقئ في جسدي اثار منها وتختفي مع مرور الوقت سوئ اثر واحد لم يختفي وضل معي ملازمني وهو اثر تعذيب ملك الجن لي وبقي على هيئة جلد متورم قليلينتهي بكيه صغيرة بارزة بيدي اليسرئ ولكني اقوئ عليهم بايماني بالله وصبر جميل والله المستعان وانا ياختي في الله اسمي ايمان والقب بي ملكة الفل اي الورد الابيض ولا احد يجهل الفل

    ردحذف
  22. أنا نفس ذلك المجهول الذي بدأ تعليقه على قصة سابقة لك بـ "" أي قصة أي بطيخ"
    وأكرر نفس الكلمات
    ليس لديك موهبة للكتابة لا تتعبي نفسك وتضيعي وقتك
    الموهبة موجودة في كل أنسان ولكن تختلف من شخص إلى آخر في أي مجال هي
    وما يدفعك للكتابة هو وسواس قهري بالإمكان علاجه بسهولة بعض الأدوية لمدة معينة مع جلسات كهرباء محدودة.
    ختاماً خذي نصائحي على محمل الجد فأنا مجهول ليس لي أي صلة بك لا من قريب ولا بعيد فإن نطقت بشيء فهو لمصلحتك التي لم تعرفيها إلى الآن ... فمن المصلحة هو عدم تضييع الوقت وعدم تتبع الوسواس القهري
    واشكر كل من صمت عن التعليق على تعليقي

    ردحذف
  23. علاجك الكهرباء الكهرباء وللمرة الالف بدك كهرباء يا بنت كهرباء بأعلى فولتية ممكنة حتى تفصل الشيزوفرينيا عن الهستيريا لتفصل بدورها الوساس القهري المزمن
    علاجك عند دكتور خبرة انا بعرفه ومدة العلاج حسب قوة الكهرباء وجلسات الكهرباء

    ردحذف
  24. أنقطعت الكهرباء وفقد المجهول في مجاهيل النت
    لماذا أزيلت خاصية "مجهول" من موقعك ؟
    لقد كنت أتحفك كل مرة بنصيحة بيضاء تنفعك في كتاباتك السوداء .

    ردحذف
    الردود
    1. افضل شئ للانسان ان يقول الخير اوليصمت لقد قمت برد عليكم فقط لالفت نظركم لهذا وما الاتقبلونه على انفسكم لاتقبلوه على غيركم وانا متاكده انكم لم تقرؤا القصه اصلا SA اسفه ان كنت قد اغضبتكم

      حذف
  25. القصه رائعه ساذهب لقراة الجزء الثانى لاتغضبى من بعض الردود وثقى ان لديكى موهبه تعليقى جاء متاخر ولكن اتمنى الرد SA

    ردحذف