25 مارس 2010

المتعقب

دخلت الحفل دخل ورائي !  كان غامضاً غريباً مريباً و لم يكن له شكل محدد .. بل كان مجرد كتلة ملفوفة في سواد قاتم !

قابلته على قارعة الطريق .. كان يسير على الناحية اليمني من الطريق و أسير على الناحية اليسرى .. فجأة غير طريقه و وجدته ورائي .. في البدء اعتقدت أن الأمر مجرد صدفة .. و لكن بعد عشر دقائق تأكدت أنه يطاردني أنا بالتحديد !

أجفلت و حاولت الهروب منه و الزوغان بأي طريقة .. و لكنه كان يقتص أثري ببراعة و يجدني .. أخافني منه أكثر أنه دائماً يجدني !

لا أعرف ما هو بالضبط .. لكنني لا أرغب في أن يلحق بي .. عقلي الصغير قال لي :"لا تدعيه يلحق بك " !

عندما خرجت وجدته ينتظرني على الرصيف المقابل للبيت فحاولت الإسراع للفرار منه .. و بعد خمس دقائق ألتفت خلفي فوجدته في إثري !

خنقني الخوف .. و رحت ألوم نفسي على الخروج في الساعات المظلمة قبيل الفجر .. و لكن أي قانون يمنع أبناء الذوات من إقامة أعياد ميلادهم في الساعات المتأخرة ؟!

ما الذي دفعني للحضور ؟! رباه .. كان من المفترض ألا آتي !

لاحقني حتى منتصف الشارع .. و هناك وجدت نفسي أمام محل تجاري ضخم مفتح الأبواب .. طبعاً هذه المحلات الفخمة لا تنام و لا تغلق أبوابها أبداً !

اندفعت داخله دون تردد .. كان محلاً للملابس .. أمسكت بأول قطعة ملابس وقعت تحت يدي و أخذت أتظاهر بتقليبها بينما عيناي مركزتين على الطريق !

ظللت في المحل نصف ساعة ثم خرجت تلاحقني نظرات عاملات المحل و إشاراتهم الدائرية بجانب رؤوسهم .. إشارة أفهمها جيداً .. مجنونة !!

بعد أن اطمأننت إلى أنه لم يعد موجوداً غادرت المحل .. يا إلهي إنه ما زال موجوداً .. مختبئاً عند زاوية الشارع المظلمة !

هنا فقدت آخر شعرة في أعصابي فرحت أجري .. لم أهتم بالنظر خلفي لأعرف ما إذا يلاحقني أم لا .. لم أكن بحاجة إلى ذلك .. فقد كان صدى خطواته السريعة يرن في الشارع !

جريت بأقصى قوتي نحو منزل صديقتي صاحبة عيد الميلاد .. اقتحمت الحفلة بجنون .. كان الحفل ما زال مستمراً بلا أي مبالاة و لا كأن هذا المخلوق الغريب يسيطر على الشارع ناشراً الرعب و الفزع في قلوب الضعفاء أمثالي !

تعجبت صديقتي من عودتي مرة أخرى .. كان الرعب واضحاً على ملامحي و لكني حاولت ضبط أنفاسي .. توجهت نحوها و ادعيت أنني ضللت الطريق لأنني لم آتي إلى هذا الحي من قبل .. تظاهرت بتصديقي و تبادلت معي الكلام .. و لكني كنت أرى نظرة مريبة في عينيها !

قدمت لي كوب من الليمون لتهدئة أعصابي .. فرفعته إلى فمي في نهم .. كنت أعاني الظمأ الشديد و جفاف الريق .. كدت أرشف منه رشفة عندما وجدت ظلاً مظلماً ينعكس على زجاج الكوب اللامع .. كان خلفي الآن !

ذعرت و طوحت بالكوب في الهواء فانسكب فوق رداء صديقتي الباريسي بشع الثمن .. و انطلقت أجري و أنا أسمع صيحات الناس و صوت صديقتي الأخنف يصرخ مطالباً بمنشفة داعية إياي بالملحوسة !

خرجت إلى الطريق ثانية .. هذه المرة كان قد خلع رداءه القاتم و ظهرت رأسه و ذراعاه و لكن وجهه كان محاطاً بالظل !

جريت بكل ما أُدخر في عروقي من قوة إنسان الكهوف .. كاد يلحق لكني سبقته !

دققت جرس الباب بجنون ففتحت لي أمي مذعورة !

جريت إلى غرفتي و ارتميت على فراشي بكامل ثيابي و غطيت رأسي بكل البطاطين .. هدأت أنفاسي قليلاً و أنخفض صوت قرع الدم في أذني .. كان صوت أمي يأتيني من الخارج متسائلاً عما حدث .. و لكنني لم أجبها !

............................

قضيت الصباح كله محاولة رسم صورة تقريبية لهذا الشيء الذي أفزعني بالأمس .. لم أنجح في تذكر ملامحه .. في الأصل لم أرى ملامحه .. و لكنني حاولت تذكر شكله العام فلم أفلح .. بدا لي مستغلقاً غامضاً كأسرار وادي عبقر .. رسمت عشرات النماذج و لكني مزقتها كلها .. فلم تكن أي منها أمينة في وصفه !

رغم أنه أرعبني إلا أنني أتمنى لو قابلته ثانية لأعرف ما هو بالضبط و لأتمكن من معرفة شكله !

.....................

لن أراه ثانية .. أكد لي طبيبي ذلك و هو يناولني تذكرة مليئة بأسماء الأدوية !

هذا الأحمق لا يفهم أن ما رأيته لا علاقة له بالأدوية و لا جلسات الكهرباء و لا رسم المخ .. إنه شيء غامض لم يره أحد من قبل .. سر من أسرار الكون سقط في حجري في لحظة صفاء كوني لا تتكرر مدى الدهر .. باب علوي أنفتح لي فظللت أعرج فيه حتى سُكر بصري !

يقول هو إنني لن أراه ثانية .. و لكني سأظل أنتظر رؤيته ثانية ما بقي لي من عمر !!

تأليف : منال عبد الحميد

المراجعة والإخراج الفني : كمال غزال





إقرأ أيضاً ...
- أصحاب الظلال السوداء

هناك 6 تعليقات:

  1. خرااااااااااااااااافات
    هذا بسبب التعب و التخيلات

    ردحذف
  2. الأخ زكي .. تعليقك جاء وكأن القصة حقيقية ..القصة عمل أدبي وكنت أتمنى أن تنتقده من الناحية الفنية ..ولكن عندما تكون القصة واقعية يمكنك حينئذ أن تقول ما قلت: "خرافات .." وأحترم رأيك على كاف الأحوال. في موقع قصص ما وراء الطبيعة لا تجد إلا القصص الخيالية. بعكس موقع ما رواء الطبيعة الذي يتناول تجارب عاشها أشخاص.

    ردحذف
  3. رائعه هي أنتِ أستاذه منال عبدالحميد.
    إسلوبكِ في الكتابه ... نهايات القصص
    دُمتِ بألف خير !

    فاطمة.

    ردحذف
  4. القصة رائعة
    لكني تمنيت انها تلتقي فيه مرة اخرى
    سلمتِ

    ردحذف