25 يوليو 2025

ثقب المفتاح

تأليف : كمال غزال
حين وصل إلى الفندق، لم يكن في ذهنه شيء سوى قسط من الراحة.

استقبله صمت ثقيل يخيم على الردهة، تقطعه فقط نظرات الموظفة عند مكتب الاستقبال، نظرات بدت وكأنها لا ترحب... بل تحذر.

ناولته المفتاح وهمست بصوت منخفض، كأنها تخشى أن تسمعها الجدران:

" في طريقك إلى غرفتك، ستصادف باباً بلا رقم. لا تحاول الاقتراب منه.
لا تلمسه.
لا تنظر من ثقب المفتاح.
مهما حدث."

هزّ رأسه بالموافقة، دون أن يسأل.
في تلك الليلة، غط في نوم مضطرب،
لكن شيئاً ما ظل يهمس في داخله : "ذلك الباب".

وفي الليلة التالية، غلبه فضوله.
خرج يتسلل كمن يرتكب إثماً، يتقدم في الممر الذي خفتت فيه الأضواء،
حتى وقف أمام الباب الخالي من الأرقام،
مغلق كما قيل له.
لكنه لم يتراجع.

انحنى، ببطء، كأنّ الزمن نفسه يتباطأ،
ووضع عينه على ثقب المفتاح.

نسمة باردة اخترقت عموده الفقري.
رأى ما لا ينبغي رؤيته: غرفة تشبه غرفته،
هادئة، ساكنة،
وفي الزاوية البعيدة، كانت تقف امرأة.

لم تكن تتحرك.
بشرتها شاحبة، بيضاء كالصقيع،
ورأسها مائل على الجدار، لا يظهر من وجهها شيء.
تدير ظهرها للباب… وتنتظر؟
ظل يحدق، مشدوها، لا يعرف هل يشعر بالخوف… أم بالندم.

همّ بأن يطرق الباب، ثم تراجع، وعاد إلى غرفته محاطاً بصمت كثيف،
لكن النوم تلك الليلة كان مستحيلاً.

في اليوم التالي، لم يحتمل.
عاد إلى الباب، وكأن شيئاً داخله يُجبره.
وانحنى مرة أخرى.

لكن هذه المرة… لم ير شيئاً.
كل ما بدا أمامه هو لون أحمر، كثيف، كأنه دم يغمر البصر.
تراجع مذعوراً، مرتعش اليدين، عقله يدور بأسئلة لا إجابة لها.

هل علمت بوجوده ؟ هل كانت تنظر إليه من الجهة الأخرى ؟

ركض إلى مكتب الاستقبال.
كانت الموظفة لا تزال هناك، وكأنها لم تغادر منذ الأمس.
نظر إليها، وقال بصوت خافت :
" نظرتُ من ثقب المفتاح… "

أغمضت عينيها ببطء، وكأنها تسترجع مشهداً مدفوناً في الذاكرة، ثم تمتمت بتنهيدة خافتة :
"كنت أعرف أنك لن تقاوم..."

سكتت لحظة.
حدّقت فيه بنظرة غريبة، ثم قالت بصوت منخفض كأنه اعتراف محرم:

"منذ زمن بعيد... في تلك الغرفة تحديداً، قتل رجلٌ زوجته بدم بارد.
ومنذ تلك الليلة، لم تخرج الروح من بين الجدران.
لأنها ليست روحاً عادية...

هؤلاء...
بشرتهم بيضاء كالثلج،
لكن عيونهم..."

توقفت لبرهة، وكأنها تقاوم رجفة تسللت إلى صوتها، ثم همست:

" كانت حمراء... كالجحيم."

تمت

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .