في أحد أحياء مدريد الكئيبة عام 1991، تعيش فيرونيكا، فتاة مراهقة تتحمل مسؤولية إخوتها الصغار بعد وفاة والدها وانشغال والدتها بالعمل ، في إحدى الحصص الدراسية، تقرر فيرونيكا مع صديقتيها استدعاء روح والدها المتوفى باستخدام لوح الويجا أثناء كسوف الشمس. ما إن تبدأ الجلسة حتى تفقد الوعي وسط أصوات غريبة واهتزازات مرعبة، لتستيقظ بعدها وهي تحمل بداخلها شيئًا لم يعد ينتمي إلى هذا العالم.
منذ تلك اللحظة تبدأ الكوابيس ، ظلال تتحرك في الغرف، أصوات تناديها باسمها، رسومات مرعبة تظهر على الجدران، وإخوتها يستيقظون ليلاً وهم يصرخون من الخوف.
تحاول فيرونيكا حماية إخوتها من الكيان الذي يتربص بهم، لكنها تدرك تدريجياً أن الشر الذي استدعتْه قد استولى على جسدها وروحها معاً. وفي النهاية، تُترك وحيدة تواجه قوة شيطانية تفوق البشر، قبل أن تنتهي حياتها في مشهد مأساوي يعجز المشاهد عن نسيانه.
القصة الحقيقية وراء الفيلم
ما يجعل فيلم Verónica مرعباً بحق هو أنه ليس مجرد خيال سينمائي ، فالأحداث استندت إلى قصة حقيقية هزّت إسبانيا مطلع التسعينيات، تتعلق بفتاة تُدعى إستيفانيا غوتييريث لازارو من حي فاليكاس بمدريد، والتي توفيت بعد جلسة ويجا تحولت إلى مأساة، إقرأ المزيد عن فتاة فاليكاس : القصة الحقيقية لفليم فيرونيكا.
وقد تناولنا تفاصيل قصتها الموثقة في مقال سابق بعنوان «القصة الحقيقية وراء فيلم فيرونيكا»، حيث وثقت الشرطة الإسبانية لأول مرة في تاريخها حادثة غريبة تضمنت ظواهر لا تفسير لها.
لكن المخرج باكو بلازا لم يلتزم تماماً بسرد الوقائع الأصلية، بل استخدم القصة كمنطلق لتجسيد رمزية المس الشيطاني والإيمان الشعبي الإسباني باللعنات، فحول مأساة فتاة مراهقة إلى حكاية عن الصراع بين النور والظلمة داخل النفس البشرية.
الاختلاف بين الفيلم والقصة الحقيقية
رغم أن جذور الفيلم حقيقية، إلا أن هناك فوارق أساسية بين ما عُرض على الشاشة وما جرى في الواقع:
الروح المستحضرة
في الفيلم، تحاول فيرونيكا التواصل مع روح والدها، أما في الواقع فقد كانت إستيفانيا تحاول التواصل مع صديق إحدى زميلاتها المتوفى في حادث.
مدة الأحداث
في الفيلم، تقع المأساة خلال ثلاثة أيام فقط بعد جلسة مع لوح الويجا، بينما في الحقيقة استمرت معاناة إستيفانيا أكثر من ستة أشهر قبل وفاتها.
مكان الوفاة
تموت فيرونيكا في شقتها وسط الأحداث الماورائية، أما إستيفانيا فتوفيت في المستشفى أثناء إحدى نوبات التشنج.
دور الشرطة
في الفيلم، تصل الشرطة في لحظة الذروة لتشهد الفوضى، بينما في القصة الحقيقية لم تُستدع الشرطة إلا بعد وفاة الفتاة، أي بعد انتهاء الظواهر الأولى وبدء ما سمّي بـ«لعنة المنزل».
النهاية السينمائية
أضاف الفيلم طابعاً دينياً وكاثوليكياً واضحاً، مع رموز للصليب ومحاولة الخلاص، بينما في القصة الحقيقية لم يُسجّل أي تدخل ديني رسمي، بل اعتمدت الأسرة على التفسيرات الغيبية الشعبية فقط.
رمزية المس الشيطاني في الثقافة الشعبية
في الثقافة المسيحية - كما في كثير من المعتقدات حول العالم - يُنظر إلى المس الشيطاني كعلامة على كسر الحاجز بين عالم الأحياء والأرواح ، وفي إسبانيا حيث تختلط الكاثوليكية بالإرث الشعبي الماورائي، تُروى مئات القصص عن «اللعبة المحرمة» التي تفتح بوابات الجحيم من خلال الويجا، وهي تُشبه في التراث العربي مفهوم «استحضار الأرواح» أو تسخيرها الذي قد ينقلب على صاحبه إن لم يكن محصناً روحياً.
إن ما حدث لإستيفانيا - أو لفيرونيكا في نسختها السينمائية - يعيد إلى الأذهان صور المسّ الشيطاني كما وردت في الأساطير القديمة:
روح تستولي على الجسد، تتحدث من خلاله، وتُضعف إرادته حتى الموت ، لكن في المقابل يرى بعض الباحثين أن هذه الحالات قد تكون ناتجة عن اضطرابات نفسية حادة ترافقها هلوسات بصرية وسمعية، خاصة في المراهقة حيث تتأجج المشاعر الدينية والميتافيزيقية.
من الأسطورة إلى الرمز
قال المخرج باكو بلازا في أحد لقاءاته:
" فيلم فيرونيكا ليس عن فتاة ممسوسة، بل عن فتاة وحيدة تحاول إنقاذ إخوتها بينما تنطفئ أنوار الإيمان حولها."
بهذا المعنى، استخدم بلازا قصة إستيفانيا لتقديم رؤية إنسانية للرعب، حيث يصبح «الشيطان» تجسيداً للخوف والوحدة واليأس، لا مجرد كائن غيبي.
بين الحقيقة والخيال يبقى السؤال
سواء صدقنا أن إستيفانيا كانت ضحية قوة ماورائية أو اضطراب نفسي لم يُفهم بعد، تبقى قصتها مثالاً حياً على الهشاشة التي تفصل بين الإيمان والجنون، وبين العالم المرئي واللامرئي.
وفيلم Verónica، رغم اختلافه عن الوقائع، نجح في إعادة إحياء أسطورة حديثة تذكرنا بأن اللعب بالأسرار الغيبية قد يفتح أبواباً يصعب إغلاقها.
معلومات عن الفيلم
كتابة : باكو بلازا - فيرناندو نافارو - كورال كروز
تمثيل : ساندرا اسكاسينا - برونا غونزاليز - كلاوديا بلاسير
سنة الإنتاج : 2017
شاهد برومو الفيلم
نبذة عن كمال غزال

0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .