تبدأ الحكاية مع لورا غارسيا رودريغيز، امرأة في منتصف العمر تعود مع زوجها كارلوس وابنها الصغير سيمون إلى دار الأيتام التي نشأت فيها شمال إسبانيا منذ 30 عاماً، وهي دار قديمة.
بعد سنوات من الإغلاق تقرر لورا شراء المكان وتحويله إلى منزل لرعاية الأطفال ذوي الإعاقات، محاولة أن تمنح الآخرين ما افتقدته في طفولتها.
لكن الماضي لا ينام بسهولة… فسرعان ما تبدأ الأحداث الغريبة. يتحدث سيمون عن أصدقاء غير مرئيين يلهو معهم، أحدهم يُدعى توماس، ويقول إنه يرتدي قناعاً قماشياً يخفي وجهه. في البداية تظن لورا أن خيال الطفل الواسع هو ما يصنع هذه القصص، حتى اليوم الذي يختفي فيه سيمون فجأة داخل الدار أثناء حفل للأطفال.
تمر الأشهر، وتتحول عودة سيمون إلى هوسٍ يلتهم عقل لورا. تسمع أصوات خطوات في الممرات، وطرقاً على الجدران، وألعاباً تتحرك وحدها. وتبدأ تشعر أن المكان الذي أرادت أن تحوله إلى بيت للرحمة صار بوابة بين عالم الأحياء والأموات.
في النهاية، تكتشف لورا حقيقة مأساوية: سيمون لم يُختطف، بل مات صدفة داخل غرفة سرية في القبو بعدما أغلق على نفسه الباب. ولأنها لم تتوقف عن البحث عنه، ظلّت أرواح الأطفال الراحلين تستجيب لندائها، كأن الدار بأكملها تحاول الاعتراف بخطاياها القديمة.
وفي المشهد الأخير، تجلس لورا بين أشباح الأطفال الذين نشأت معهم، تعانقهم كما كانت تتمنى في طفولتها، وقد أصبحت هي الأخرى جزءاً من الذاكرة التي لن تغادر جدران المكان.
الرموز والأساطير الكامنة في القصة
رغم أن الفيلم لا يستند إلى أسطورة محددة، إلا أن أجواءه تنهل بعمق من التراث الشعبي الإسباني المفعم بقصص الأرواح العالقة والبيوت المسكونة والأطفال الضائعين.
يستدعي القناع الذي يرتديه الطفل توماس صورة الطفل المنبوذ أو المختلف في الأساطير الأوروبية - ذاك الذي يُخفي وجهه فيتحول رمزيا إلى ظل، ثم إلى شبح يطالب بالاعتراف.
وفي الذاكرة الشعبية الإسبانية، كما في ثقافات أخرى، يُنظر إلى دار الأيتام المهجورة باعتبارها مكاناً مثالياً للرعب: رمز للبراءة المكسورة، ومأوى للأرواح التي لم تجد السلام. من هنا فإن «دار الأيتام» ليست مجرد موقع أحداث، بل كائن حي يختزن الحزن الجماعي.
قراءة نقدية ورؤية فنية
أجمع النقاد على أن فيلم دار الأيتام ليس مجرد فيلم رعب تقليدي، بل دراما نفسية مفعمة بالرمزية، تستخدم الرعب كأداة لاستكشاف الأمومة، الذنب، والذاكرة.
المخرج خوان أنطونيو بايونا (J.A. Bayona) استطاع أن يصوغ أجواء خانقة بهدوء مدروس، بعيداً عن الدماء والمبالغة. يعتمد على الإضاءة الخافتة، وأصوات الأبواب الخشبية، واللعب الذكي بالزمن والمكان، ليخلق إحساساً بأن كل شيء في الدار يراقب.
الناقد الأمريكي روجر إيبرت وصف الفيلم بأنه "عمل بطيء الإيقاع متقن الصنعة، موجه لجمهورٍ يملك انتباهاً عميقاً"، مشيراً إلى أن قوته تكمن في قدرته على إثارة العاطفة لا الفزع فقط. أما نقاد The Globe and Mail فاعتبروا أن جوهر الفيلم ليس الرعب بحد ذاته، بل المأساة الإنسانية لأم مفجوعة تحاول التمسك بما لم يعد موجوداً.
من الناحية البصرية، قدم بايونا عملاً يُذكر بمدرسة غييرمو ديل تورو (مخرج وكاتب ومنتج مكسيكي خصوصاً في مجال الرعب والفانتازيا المظلمة) في الجمع بين الواقعية القاتمة والخيال الماورائي، حيث يتحول البيت إلى مرآة للنفس البشرية، ويصبح كل صرير باب انعكاساً لصوت داخلي. لا عجب أن يكون ديل تورو نفسه هو المنتج التنفيذي للفيلم، مؤمناً بأن الرعب الإسباني قادر على تقديم فلسفة قبل أن يقدم خوفاً.
«دار الأيتام» The Orphanage ليس مجرد قصة عن أشباح الأطفال، بل عن حزن يتحول إلى لغة بصرية، والبيت إلى كائنٍ يحتفظ بذكريات ساكنيه. إنه عمل يثبت أن الرعب الحقيقي ليس في الظلام، بل في الذكريات التي لا تموت، وفي حب يرفض أن يُدفن ، وهكذا يبقى The Orphanage من أكثر أفلام الرعب الإسبانية تأثيراً لأنه لا يخيفك من الخارج، بل يوقظ أشباحك الداخلية.
معلومات عن الفيلم
كتابة : سيرجيو جي سانشز
تمثيل : بيلينا رويدا - فيرناندو كايو - روجر برنيسب
سنة الإنتاج : 2007
شاهد برومو الفيلم
نبذة عن كمال غزال
 باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".
باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".
 
 
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .