مسلسل دراكولا

إعداد : كمال غزال

في زمن تتصدر فيه أسطورة مصاصي الدماء الثقافة الشعبية منذ عقود، يبرز مسلسل دراكولا من إنتاج 2020 كإعادة تفسير جريئة لشخصية مستهلكة لكنها لا تزال تحمل في طياتها الغموض والجاذبية.

عبر حلقاته الثلاث، يعيد المسلسل بناء الأسطورة ليس كمجرد قصة رعب كلاسيكية، بل كرصد لأعماق الشخصية، صراعاتها، نقاط ضعفها، وكيف تؤثر في محيطها.

كثير من الأعمال - أفلاماً ومسلسلات - تناولت دراكولا أو موضوع مصاصي الدماء عبر العصور مثل فيلم دراكولا، وما زال يُعاد إنتاجه وتقديمه بصيغ مختلفة.

هذا الاستمرار يدل على التأثير الطاغي الذي تمارسه هذه الأسطورة على مخيلة الجماهير. ففكرة مصاصي الدماء، تلك الكائنات التي تعيش في الظلال، تتغذى على الدم، تتلاعب بالخوف والحب والخلط بين الخير والشر، أخذت زخماً كبيراً في الأدب والسينما والتلفزيون، لكنها تُعيد تشكيل نفسها بما يتماشى مع حس العصر.

في هذا المسلسل، يُقدم لنا دراكولا ليس فقط كعدو خارق، بل ككائن يعاني صراعات داخلية، يُصارع بين ظله وماضيه، ويخضع لتوترات نفسية تجعله أقرب إلى إنسان منه إلى أسطورة لا تُقهر.

خلفية الأسطورة: من برام ستوكر إلى ترانسيلفانيا

الأسطورة الخالدة لـ دراكولا تعود في الأساس إلى رواية دراكولا التي نشرها الإيرلندي برام ستوكر عام 1897. لكن الرؤى التي أججت هذه الأسطورة متراكبة - مزيج من الفولكلور الأوروبي، قصص الأشباح، والأساطير الخاصة بمناطق شرق أوروبا.

ستوكِر لم يُنسب في أوراقه الأصلية إلى شخصية تاريخية بعينها، لكنه استلهم اسم دراكولا Dracula من الأسماء التاريخية في رومانيا، وربط شخصيته لتصبح مصاص دماء نبيل، قاتل، وغامض في آن.

من الناحية التاريخية، يُذكر أن الزعيم الروماني فلاد الثالث الذي عُرف بـ "فلاد المخوزق" Vlad the Impaler كان يُلقب أيضاً بـ الكونت دراكولا أو دراكول في بعض المصادر، وذلك لأن والده كان عضواً في جماعة التنين Order of the Dragon، ما أكسبه لقب “Dracul” بمعنى “التنين” أو “الشيطان”.

لكن الربط بين فلاد المخوزق ودراكولا الأدبي ليس متفقاً عليه بالكامل في الأوساط الأكاديمية. فمع أن بعض الباحثين يرون أن رواية ستوكر استخدمت فلاد كمصدر إلهام جزئي (لا سيما في اسمه وشهرته بالقسوة)، إلا أن الرواية لم تعتمد على السيرة التاريخية لـ فلاد بشكل مباشر أو واضح في كثير من تفاصيلها.

جغرافياً، تُركز الأسطورة غالباً في ترانسيلفانيا، وهي منطقة في رومانيا محاطة بالجبال والغابات، وتُعطي جواً مثالياً للرعب والغموض. القلعة التي يُشار إليها غالباً باسم “قلعة دراكولا” هي قلعة بران (Bran Castle)، رغم أن معظم المؤرخين يرون أن ارتباط فلاد المخوزق بها ليس وثيقاً من الناحية الواقعية.

أما قلعة بران، فهي الآن من أشهر الوجهات السياحية المرتبطة بأسطورة دراكولا، لكنها لم تُذكر في رواية ستوكر بشكل مباشر، ولا يوجد دليل قاطع أن ستوكر زارها أو استخدمها كمصدر إلهامي حقيقي.

وبينما نقرأ في التاريخ بعض السجلات التي تتحدث عن أفعال قاسية ارتكبها فلاد المخوزق - مثل استخدام الخازوق كأسلوب رادع، وسرده قصصاً عن شربه لدماء أعدائه أو أكل لحومهم في بعض الأساطير الشعبية — تبقى هذه الروايات مطعمة بمبالغات وتحريفات، تتشعب بين الحقيقة والأسطورة.

أيضاً ، توجد في تراث الشعوب الأوروبية الشرقية قصص قديمة عن “الموتى الأحياء” أو كائنات تتغذى على الدم تُعرف بأسماء عدة (مثل نوسفيراتو nosferatu وغيرها)، وهي تقليد شائع في الفولكلور، واستُخدمت كقاعدة تُغذي الأسطورة الأدبية لاحقاً. إقرأ المزيد عن ماورائيات دول البلقان.

وبهذا، يُمكن القول إن أسطورة دراكولا هي مزيج مركب: جزء من خيال أدبي وفولكلور، وجزء من إلهام مأخوذ (بشكل جزئي ومحول) من شخصيات تاريخية، مما يمنحها عمقاً وقوة استمرارية في الزمن.

عرض المسلسل على نتفليكس

يُعرض المسلسل على منصة نتفليكس (إلى جانب عرضه الأصلي عبر الشبكة البريطانية BBC) عنوان “Dracula”. ، يتألف الموسم الأول من ثلاث حلقات، مدة كل منها نحو 90 دقيقة تقريباً. ، يُعرض المسلسل كـ mini-series (مسلسل قصير) لا سلسلة مواسم متعددة حتى الآن، مع أن نهاية الموسم تفتح على بعض الاحتمالات.

حصل المسلسل على مراجعات متفاوتة - على سبيل المثال، حصل على تقييم حوالي 71٪ على موقع Rotten Tomatoes (من آراء النقاد)

من حيث أسلوب العرض، يمزج المسلسل بين الأزمنة المختلفة (القرن التاسع عشر والقرن الحادي والعشرين)، ويستخدم الفلاش باك وأساليب سرد غير خطية لاستكشاف ماضي دراكولا ودوافعه.

المسلسل لا يكتفي بتقديم دراكولا ككائن شرير بلا بعد، بل يكشف عن نقاط ضعف إنسانية، صدمات نفسية، علاقات مع شخصيات أخرى، وعدد من التقلبات التي تجعله أعمق وأكثر تعقيداً من الصور النمطية المعتادة.

نقاط القوة والانتقاد

الكثير من الآراء الإيجابية تُشير إلى جودة الكتابة، أداء الممثل Claes Bang في دور دراكولا، والإخراج الذي يجمع بين الرعب والغموض بطريقة جذابة ، أما من الانتقادات، فبعض النقاد وصفوا المسلسل بأنه يبدأ بقوة ثم يضعف في بعض الأجزاء، أو أنه فيه تناقضات في الحبكة أو إشكالات في التوازن بين الطابع الكلاسيكي والتجديد.

كما أن بعض المشاهدين الذين كانوا يتوقعون نسخة أكثر تقليدية من قصة دراكولا شعروا بخيبة أمل، حيث كتب أحد المعلقين : “ لو كنت تبحث عن نسخة تقليدية من دراكولا، فلا تشاهد هذا المسلسل.”

تحليل العناصر البارزة في المسلسل

1- إعادة تفسير الشكل والمضمون

المسلسل لا يكتفي بإعادة سرد الحكاية الكلاسيكية، بل يعيد تشكيل داخلية الشخصية، ويركّز على الصراع بين الإنسان والوهم، بين الماضي والحاضر. يُظهر دراكولا بمزيد من التعقيد: ليس مجرد عدو خارق، بل ككائن يعاني، يختار، وربما يُذنب.

2- التلاعب بالزمن والسرد

تُستخدم أساليب الفلاش باك، التداخل الزمني، وعرض الأحداث من منظورات متعددة، ما يُتيح للمشاهد أن يفكر بنفسه في التزامن بين الماضي والحاضر، وكيف تشكل الأحداث الماضية هوية دراكولا اليوم.

3- الشخصيات المرافقة والدعم

الشخصيات التي تحيط بدراكولا - مثل المحامية أو الشخصيات النسائية أو خصومه - ليست مجرد أدوات مالية، بل لها دوافعها وصراعاتها. المسلسل يتيح لها أن تكون فاعلة، لها أبعادها وتأثيرها على القصة.

4- التوازن بين الرعب والإنسانية

بالرغم من أن المسلسل لا يخشى المشاهد الدموية أو مشاهد الرعب، إلا أنه في كثير من اللحظات يُرجح البعد النفسي والإنساني: ماذا يعني أن تعيش طويلاً ؟ ما هي الهوية ؟ ما الثمن الذي تدفعه لتظل على قيد الوجود ؟ هذا يسهم في جعل المسلسل أكثر من مجرد قصة مصاص دماء، بل تأملاً في الزمن والذاكرة.

مكان المسلسل في تاريخ قصص مصاصي الدماء

كما ذكرنا، الأسطورة لم تأتِ من فراغ. عبر التاريخ الأدبي والسينمائي، قُدمت قصص كثيرة عن المجهول، الظل، الحياة بعد الموت، الكائنات التي تعبر بين عالم الأحياء والموتى. من روايات القرن التاسع عشر إلى أفلام قديمة مثل Nosferatu وإلى إنتاجات حديثة، ظلت فكرة مصاصي الدماء تتطور، تتبدل، وتتكيف مع حساسيات العصر (الجنس، القوة، السلطة، الهلع الاجتماعي). ستوكِر نفسه استفاد من حكايات شعبية، من أساطير أوروبا الشرقية، ومن المخيلة الغربية.

مسلسل “دراكولا” هو مثال حديث على هذا التكيف: يدمج بين الكلاسيكية والتجديد، بين الأصالة والحداثة، مما يمكنه أن يُجدد الاهتمام بالشخصية ويوسع فهمنا لها في سياق اليوم.

معلومات عن المسلسل

التصنيف : رعب - خوارق
عدد الحلقات : 3 حلقات في الموسم الأول

اللغة : الإنجليزية
بطولة : كلايس بانغ - دوللي ويلس - مورفايد كلارك

إخراج : مارك غاتيس - ستيفن موفات
سنة الإنتاج : 2020

شاهد برومو المسلسل

نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".