فيلم The Pope's Exorcist

إعداد : كمال غزال

منذ القرون الوسطى، مثّل طقس طرد الأرواح الشريرة في العقيدة الكاثوليكية مواجهة روحية بين قوى الخير والشر، حيث يُستدعى كاهن مختص لمواجهة كيان شيطاني يعتقد أنه استحوذ على شخص أو مكان، مستخدماً صلوات وأدوات مقدسة بإشراف الفاتيكان. هذا الطقس ألهم عشرات الكتب والأفلام.

انطلاقاً من هذا الإرث الديني المعقد، جاء فيلم The Pope’s Exorcist الذي صدر عام 2023 ليعيد تقديم هذا العالم المظلم على الشاشة. الفيلم مقتبس من مذكرات الأب غابرييل أمورث، وتحديداً كتابيه ، الأول حمل عنوان : طارد أرواح يخبرك بقصته An Exorcist Tells His Story والثاني كان بعنوان طارد أرواح : قصص أخرى An Exorcist: More Stories

يجسد الممثل العالمي راسل كرو شخصية أمورث، مقدماً أداء يمزج بين الوقار والسخرية السوداء، وهو أسلوب عُرف به الأب في حياته الحقيقية. أخرج الفيلم جوليوس أفري، وتم تصويره في مواقع واقعية في إيطاليا وأيرلندا، ما أضفى على العمل مسحة تاريخية وعاطفية عميقة.

قصة الفيلم

تبدأ أحداث الفيلم في عام 1987، حيث يُستدعى الأب أمورث للتعامل مع حالة مس شيطاني غامضة في إحدى القرى الإيطالية. في المشهد الافتتاحي، نراه يستخدم ذكاءه وخبرته في خداع الروح الشريرة، فيرغمها على الانتقال إلى خنزير ثم يُعدم الخنزير، في تلميح إلى أن عملية الطرد ليست مجرد صلوات، بل مواجهة تعتمد على الحنكة النفسية والروحية.

لاحقاً، يتلقى أمورث دعوة عاجلة من الفاتيكان للذهاب إلى إسبانيا، حيث تعاني عائلة أمريكية انتقلت حديثاً إلى دير قديم ورثته عن أجدادها. هناك، يبدأ ابنهم هنري بإظهار سلوكيات مرعبة وأعراض غير مفسرة طبياً: يتحدث بلغات لم يتعلمها من قبل ، يُظهر قوة جسدية خارقة ، ويبوح بأسرار لا يعرفها سوى والديه.

يكتشف أمورث أن الدير يخفي سراً تاريخيا ًيعود إلى زمن محاكم التفتيش الإسبانية، حيث كان يُستخدم لتعذيب المتهمين بالسحر والهرطقة. الشيطان المسيطر على هنري هو كيان قديم يُدعى أسمديوس (Asmodeus)، هدفه الانتقام من الكنيسة والكشف عن خطاياها الدفينة.

مع تصاعد الأحداث، يدرك أمورث ومساعده الأب إيسكويبل أن الطقس التقليدي غير كاف وفي لحظة تضحية نادرة يقدم أمورث نفسه كجسد بديل للشيطان لإنقاذ الطفل، لكنه يتشبث بإيمانه ويستعين بمساعدة زميله لإجبار الشيطان على العودة إلى الجحيم.

ينتهي الفيلم بمشهد في أرشيف الفاتيكان، حيث يلمح أمورث إلى خريطة تضم 199 موقعاً آخر تعشش فيها قوى الشر، فاتحاً الباب لجزء ثان من القصة.

الأب غابرييل أمورث

كان الأب غابرييل أمورث (1925–2016) شخصية حقيقية مثيرة للجدل. وُلد في إيطاليا، وشارك في حركة المقاومة ضد الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية قبل أن يتجه إلى سلك الكهنوت في عام 1985، عيّنه الفاتيكان كأحد الطاردين الرسميين، وكرس حياته لهذا العمل حتى وفاته ، أسس الجمعية الدولية لطرد الأرواح وزعم أنه شارك في أكثر من 60,000 عملية طرد خلال مسيرته ، كان معروفاً بروحه المرحة وسخريته، لكنه أيضاً وجّه انتقادات حادة للكنيسة عندما حاولت تقليص دور طقس الطرد.

كتب أمورث عدة كتب، أبرزها تلك التي استند إليها الفيلم، وفيها دوّن تفاصيل طقوسه وتجربته مع ما كان يصفه بـ"قوى الظلام". كان يؤمن بأن أغلب الحالات يمكن تفسيرها طبياً، لكنه رأى أيضاً أن هناك نسبة صغيرة تمثل مسّاً حقيقياً لا يمكن تفسيره إلا بالبعد الروحي.

الأفكار الملهمة للفيلم

لا يكتفي الفيلم يكتفي بعرض قصة رعب، بل يطرح قضايا فلسفية ودينية:

الصراع بين العلم والإيمان

إذ تُظهر الكنيسة في الفيلم جانباً متشككاً يرفض الاعتراف بسهولة بوجود الشيطان.

خطايا الكنيسة التاريخية

عبر قصة الدير، يربط الفيلم بين الشر المعاصر وماضي الكنيسة المظلم.

التضحية والإيمان الشخصي

أمورث يظهر كإنسان قبل أن يكون كاهناً، يصارع شكوكه وخوفه لكنه يواجه الشر بإيمانه العميق.

يمثل فيلم The Pope’s Exorcist أكثر من مجرد عمل رعب؛ فهو نافذة على عالم معقّد يجمع بين الأساطير الدينية والحقائق التاريخية. من خلال شخصية الأب غابرييل أمورث، نرى كيف يمكن لشخص واحد أن يجسد معركة أزلية بين الخير والشر، بين النور والظلام.

وبينما يثير الفيلم الرعب والتشويق، فإنه يترك المشاهد أيضاً أمام تساؤلات عميقة حول طبيعة الشر، ودور الإيمان في مواجهته، وحدود العلم في تفسير ما يتجاوز المحسوس.