29 سبتمبر 2025

فيلم The Others

فيلم رعب - The Others - حياة البرزخ ولاأرواح التائهة
إعداد : كمال غزال

يُعد فيلم The Others (الآخرون) من أبرز أفلام الرعب النفسي التي صدرت في مطلع الألفية الجديدة. أُطلق الفيلم عام 2001 وأخرجه وكتبه أليخاندرو أمينابار، وهو إنتاج إسباني-أمريكي مشترك، وبطولة نيكول كيدمان التي قدّمت واحداً من أفضل أدوارها في مسيرتها السينمائية.


يتميز الفيلم بأجوائه القوطية الباردة وأحداثه الغامرة بالإثارة والغموض، حيث يمزج بين الرعب النفسي والبعد الفلسفي الذي يتجاوز مجرد حكاية عن الأشباح إلى طرح أسئلة عميقة عن الموت، الحياة، والحد الفاصل بين العالمين.


قصة الفيلم

تدور أحداث الفيلم عام 1945 في قصر قديم ومعزول في جزيرة جيرسي البريطانية، مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، تعيش الأرملة غريس ستيوارت (نيكول كيدمان) مع طفليها "آن" و"نيكولاس"، اللذين يعانيان من مرض نادر يُعرف بـ حساسية الضوء، ما يضطر العائلة إلى العيش في قصر مظلم تُغلق فيه الستائر نهاراً ولا تُضاء فيه المصابيح إلا بحذر شديد.

تُوظف غريس ثلاثة خدم جدد: مدبرة منزل غامضة، بستاني، وفتاة خرساء. ومع مرور الأيام تبدأ حوادث غريبة: أبواب تُفتح وتُغلق من تلقاء نفسها، خطوات غامضة في الممرات، وأصوات غريبة في الغرف الفارغة ، ابنتها "آن" تدعي أنها ترى صبياً غريباً يُدعى "فيكتور"، وتروي تفاصيل عن "الآخرين" الذين يزعمون أنهم يسكنون المنزل أيضاً.

غريس، المتمسكة بإيمانها الكاثوليكي الصارم، تحاول تفسير هذه الظواهر، لكن الأحداث تتصاعد حتى تصل إلى ذروتها عندما تدرك الحقيقة الصادمة: 

هي وأطفالها موتى منذ فترة، وقد قتلَتهم غريس في لحظة فقدان للسيطرة، ثم انتحرت. هؤلاء "الآخرون" الذين كانوا يثيرون الرعب هم في الحقيقة الأحياء، أي العائلة التي اشترت القصر بعد موتهم، بينما غريس وأطفالها هم الأشباح.

الفيلم ينتهي بمشهد صادم حيث تتقبل غريس وطفلاها مصيرهم، فيما يرحل الأحياء، تاركين القصر تحت سيطرة "الآخرين" – أي الأرواح العالقة.


صلة بالماورائيات وعالم البرزخ

قصة الفيلم ليست مجرد حكاية أشباح، بل تحمل إسقاطاً فلسفياً وروحانياً عميقاً:


1- البرزخ بين الحياة والموت

البرزخ هو المرحلة الفاصلة بين الدنيا والآخرة، حيث تبقى الأرواح في حالة انتظار ، أحداث الفيلم تشبه هذه الفكرة؛ فغريس وطفلاها عالقون في عالم وسيط، غير مدركين لحقيقة موتهم. إنهم يعيشون أوهام الحياة، بينما العالم الحقيقي مواز لهم، لا يتقاطع إلا في لحظات نادرة من الاتصال الروحي أو الطقوسي، كـ جلسات تحضير الأرواح.


2- الأشباح والظواهر الفيزيائية

الأحداث الغامرة في القصر تعكس ما يُروى في تقارير الأماكن المسكونة ;الأبواب التي تتحرك وحدها وتغيرات في درجة الحرارة والأصوات والهمسات ، تُفسر هذه الظواهر في الماورائيات بأنها ناتجة عن طاقة عالقة للأرواح، أو عن محاولاتها للتواصل مع الأحياء.

لكن الفيلم قدم رؤية معكوسة لهذه الظواهر: نحن نراها من منظور الأرواح أنفسهم، بينما الأحياء هم من يجرون جلسات استحضار، معتقدين أنهم يتواصلون مع "أرواح القصر".


3- فكرة "التداخل بين العالمين"

هذه الفكرة موجودة في أساطير وثقافات عديدة:

- في الفولكلور الأوروبي، هناك أوقات وأماكن تُصبح فيها الحواجز بين الحياة والموت ضعيفة، مثل عيد الهالووين.

- في بعض طرق التصوف الإسلامي يتحدث بعض العلماء عن عالم المثال، حيث تتجلى الأرواح في صور محسوسة.

- في الفلسفات الشرقية، تُعرف الفكرة بـ العوالم الموازية أو الطاقات التي تُبقي الروح عالقة في بعدٍ غير مرئي.


أساطير مشابهة

هناك العديد من الأساطير والحكايات التي تتقاطع مع فكرة الفيلم:


الروح غير الواعية بموتها

في بعض الموروثات الشعبية، يُقال إن بعض الأرواح تظل تائهة لأنها لم تدرك أنها فارقت الحياة مثل أسطورة "الديبك" في الفولكلور اليهودي.


بيوت الأشباح المسكونة

حكايات المنازل التي يسكنها الموتى الذين يرفضون مغادرة أملاكهم، وهي شائعة في التراث الغربي والعربي. إقرأ المزيد عن علامات المكان المسكون بالأرواح.


جلسات تحضير الأرواح

وهي جزء أساسي من سياق الفيلم، حيث يظهر الأحياء وكأنهم يستحضرون أرواح غريس وأطفالها، لكن من وجهة نظر الأرواح، يبدو المشهد كغزو من "غرباء".


أثر الفيلم على ثقافة الرعب

حقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً، وتميز بعدة أمور:

- اعتماده على الرعب النفسي بدلاً من الدماء والمشاهد العنيفة.

- تقديمه فكرة مبتكرة عن الأشباح، حيث انقلبت الأدوار بين الحي والميت.

- إحياءه لمدرسة الرعب الكلاسيكي التي تعتمد على الغموض والأجواء القوطية.


فيلم The Others ليس مجرد عمل سينمائي عن الأشباح، بل هو رحلة فلسفية ونفسية تستكشف حدود الوعي والموت ، من خلال قصته يطرح الفيلم أسئلة عميقة عن البرزخ والعالم الآخر، ويعيد تعريف معنى "الأشباح" في السينما ، إنه عمل يُظهر كيف يمكن للماورائيات أن تكون مرآة لأسوأ مخاوف الإنسان وأعمق أسراره، حيث يكتشف المشاهد في النهاية أن "الآخرين" ربما يكونون نحن أنفسنا.

معلومات عن الفيلم

التصنيف  : رعب خوارق - رعب نفسي
اللغة        : الإنجليزية
كتابة        : أليخاندرو أمينابار
إخراج      : أليخاندرو أمينابار
تمثيل        : نيكول كيدمان
سنة الإنتاج : 2001

شاهد برومو الفيلم


نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .