يُعد فيلم Insidious، الذي صدر عام 2010 واحداً من أبرز أفلام الرعب في العقدين الأخيرين، حيث أرسى دعائم سلسلة سينمائية ناجحة استمرت لعدة أجزاء. أخرجه جيمس وان (James Wan) وكتبه لاي وانيل (Leigh Whannell)، الثنائي الذي اشتهر أيضاً بسلسلة Saw ، لا يكتفي الفيلم بتقديم مشاهد الرعب التقليدية، بل يغوص في عوالم الماورائيات، مستنداً إلى أساطير ومعتقدات قديمة عن الأرواح، والخروج من الجسد، والعوالم الموازية.
قصة الفيلم
تدور أحداث الجزء الأول حول عائلة لامبرت التي تنتقل إلى منزل جديد. سرعان ما يبدأ الطفل دالتون بإظهار سلوك غريب، وينتهي به الأمر في غيبوبة غامضة لا تفسير طبي لها. بعد فترة، تبدأ العائلة بسماع أصوات مخيفة، ورؤية أشباح وكائنات غريبة تتجول في المنزل.
مع تصاعد الأحداث، يتضح أن المشكلة ليست في المنزل، بل في الطفل نفسه. حيث يمتلك دالتون قدرة خارقة تُعرف بـ الخروج من الجسد (Out of Body Experience - OBE)، تسمح لروحه بمغادرة جسده أثناء النوم والتنقل في بعد مظلم يُسمى في الفيلم The Further (العالم البعيد).
لكن هذه القدرة جعلته عرضة لخطر رهيب، إذ تسعى الأرواح الشريرة للسيطرة على جسده الفارغ، وعلى رأسها كيان مخيف يُعرف بـ "The Lipstick-Face Demon".
يُكتشف لاحقاً أن والد دالتون، جوش، كان يملك نفس القدرة في طفولته، لكنه نسيها بعد تدخل وسيطة روحانية أغلقت "بوابة" تلك الموهبة لديه. ومع تدهور وضع دالتون، يضطر جوش لاستعادة قدراته والسفر بروحه إلى "العالم البعيد" لإنقاذ ابنه.
مصادر الإلهام والأساطير المرتبطة
فيلم Insidious ليس مجرد قصة خيالية، بل يمزج العديد من المفاهيم الروحية والأسطورية التي نجدها في ثقافات متعددة:
1- الخروج من الجسد (OBE) والإسقاط النجمي
الأساس الفكري للفيلم هو مفهوم الخروج من الجسد، حيث يشعر الإنسان بأن وعيه أو روحه تغادر جسده المادي وتسافر في فضاء آخر ، هذا الاعتقاد موجود في التعاليم البوذية والهندوسية: حيث يُسمى الإسقاط النجمي، ويُعتبر نوعاً من التجربة الروحية ، في التراث العربي والإسلامي نجد إشارات مبطنة لهذا المفهوم في أحاديث عن الروح خلال النوم، مثل قوله تعالى: " اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا..." (الزمر: 42).
في الفيلم، يُترجم هذا إلى قدرة دالتون وجوش على مغادرة جسديهما والنفاذ إلى "العالم البعيد".
2- الحبل الفضي Silver Cord
في العديد من المعتقدات، يُقال إن الروح تبقى متصلة بالجسد عبر خيط أثيري يُسمى الحبل الفضي ، يظهر هذا المفهوم بوضوح في كتب الغنوصيين، والبوذية، وبعض نصوص السحر الغربي ، في الفيلم، رغم عدم ظهوره حرفياً، إلا أن فكرة "انقطاع الاتصال" بين الروح والجسد هي ما يسمح للأرواح الشريرة بسرقة جسد دالتون.
3- البيوت المسكونة وأشباح الانتقام
مشاهد الرعب في بداية الفيلم مستوحاة من تقاليد البيوت المسكونة، حيث يعتقد أن الأرواح العالقة في عالمنا تبقى في أماكن ارتبطت بها في الحياة ، هذه الفكرة منتشرة في التراث الغربي والعربي مثل قصص "عمار المكان" من الجن الذين يسكنون البيوت المهجورة ، في الفيلم يبدو المنزل مسكوناً، لكن القصة تكشف لاحقاً أن النشاط الماورائي مصدره روح دالتون وليس المنزل نفسه، وهو ما شكل مفاجأة للجمهور.
البعد النفسي للفيلم
ورغم الطابع الماورائي، يمكن تفسير الفيلم من منظور نفسي:
- قدرة دالتون على الخروج من جسده قد ترمز إلى أحلام واعية (Lucid Dreams) أو اضطرابات النوم مثل شلل النوم (Sleep Paralysis).
- "العالم البعيد" قد يمثل عقل الإنسان الباطن، حيث تجسد الأرواح المخاوف والذكريات المكبوتة.
هذا المزج بين العلمي والماورائي ساهم في نجاح الفيلم وجعله قابلاً لتفسيرات متعددة.
وفي الختام ، فيلم Insidious ليس مجرد قصة رعب، بل رحلة في أعماق المعتقدات البشرية حول الروح والموت والعالم الآخر.
من الإسقاط النجمي والحبل الفضي، إلى البيوت المسكونة وعوالم الجن، ينجح الفيلم في رسم لوحة سينمائية تمزج بين الأسطورة والخيال العلمي، وبين الرعب النفسي والماورائي، مما يجعله تجربة فريدة لعشاق قصص ما وراء الطبيعة.
معلومات عن الفيلم
كتابة : باتريك ويلسون - روز بايرن - تاي سيمبكينز
سنة الإنتاج : 2008
شاهد برومو الفيلم
نبذة عن كمال غزال

0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .