28 سبتمبر 2025

فيلم The Golem

فيلم الغولم - أسطورة يهودية - The Golem
إعداد : كمال غزال

منذ قرون، حيكت في الظلام حكايات عن مخلوق غامض يُدعى الغولم Golem، كائن صُنع من الطين ونُفخت فيه الحياة عبر تعاويذ سحرية. هذه الأسطورة، التي نشأت في أوساط بعض الطوائف اليهودية، ألهمت الأدباء والسينمائيين لعقود طويلة، ومن بينها الفيلم الرعب التاريخي The Golem الصادر عام 2018، الذي أعاد تقديم القصة بشكل معاصر يمزج بين الرعب والدراما والفلكلور، الفيلم لا يكتفي بسرد حكاية رعب، بل يغوص في أعماق النفس البشرية، مستكشفاً حدود القوة والإيمان، وما يمكن أن يحدث عندما يحاول الإنسان اللعب بدور الخالق.


قصة الفيلم

تدور أحداث الفيلم في قرية يهودية صغيرة في ليتوانيا خلال القرن السابع عشر، حيث تعيش جماعة يهودية منعزلة في خوف دائم من الطاعون والمذابح التي تهددهم من الخارج. في قلب هذه الجماعة نجد هانا، امرأة شابة فقدت طفلها قبل سنوات، تعيش حزناً عميقاً لا يبرحه قلبها، لكنها تخفي قوة وإرادة هائلتين خلف مظهرها الرقيق.

مع اشتداد التهديدات من جماعات مسلحة معادية، تبحث هانا في الكتب السرية القديمة، فتجد كتاب "الكابالا" المحرم، والذي يحوي تعاويذ سحرية قادرة على خلق كائن حارس لحماية قريتها. تتحدى التقاليد وتكسر المحرمات، وتؤدي الطقوس الغامضة تحت ضوء القمر، مستخدمة تربة القرية وكلمات مقدسة من نصوص الكابالا.

وهكذا يولد الغولم، لكنه لم يكن وحشاً ضخماً كما في الحكايات، بل طفل صغير غامض يشبه ابنها الميت. مع مرور الوقت، يكبر هذا الكائن وتظهر قوته المدمرة، فيحمي القرية بداية، لكنه سرعان ما يتحول إلى خطر يهدد الجميع، خصوصاً بعدما تبدأ هانا في فقدان السيطرة عليه ، الفيلم ينتهي بمشهد مأساوي يرمز إلى أن القوة المطلقة لا يمكن التحكم بها، وأن السحر ثمنه دائماً باهظ.


الغولم في الفلكلور اليهودي

لنفهم الفيلم بعمق، يجب أن نعود إلى الأسطورة الأصلية التي تعود جذورها إلى العصور الوسطى.

كلمة غولم גולם بالعبرية تعني "الكتلة غير المشكّلة" أو "الشيء غير المكتمل"، وفي النصوص الدينية اليهودية يرمز إلى مادة خام ينتظر أن تُنفخ فيها الروح. في أسفار قديمة، استُخدم المصطلح لوصف الإنسان قبل أن يمنحه الله الحياة.


أسطورة حاخام براغ

أشهر قصة عن الغولم تعود إلى الحاخام يهودا لوف بن بتسلئيل المعروف بـ"المهارال" في مدينة براغ (التشيك) في القرن السادس عشر ، يُقال إنه صنع الغولم من طين نهر الفلتافا ليحمي اليهود من المذابح والاضطهاد.

- قام برسم رموز سحرية على جسده وكتب كلمة  אמת "إيميت" (الحقيقة) على جبهته.

- إذا أُزيل الحرف الأول من الكلمة، تتحول إلى מת "ميت" (الموت)، فيعود الغولم إلى الطين.

في البداية كان الغولم مطيعاً، لكنه مع مرور الوقت فقد السيطرة عليه، فصار يهاجم الأبرياء، ما اضطر الحاخام إلى تدميره.

هذه الحكاية تحولت إلى رمز ثقافي قوي، واستُخدمت لاحقاً كتشبيه للثورات التي تنقلب على صانعيها، وحتى كأساس لأفكار أدبية مثل فرانكشتاين لـ ماري شيللي.


الرمزية في الفيلم

الفيلم استخدم الأسطورة بطريقة رمزية عميقة:


الغولم كرمز للحزن والأمومة

هانا لم تخلق وحشاً فقط، بل أعادت إحياء ألمها لفقدان طفلها. الغولم يشبه ابنها، فيصبح تجسيدًا لرغبتها الدفينة في استعادة الماضي.


القوة المطلقة والفساد

في البداية، كان الكائن وسيلة للدفاع، لكنه يرمز إلى ما يحدث عندما يحصل الإنسان على قوة تفوق طاقته، فيفقد السيطرة ويصبح مخلوقه تهديداً للعالم.


صراع الجماعة والخوف

المجتمع في الفيلم يعيش بين الخرافة والإيمان، ما يعكس وضع المجتمعات الصغيرة في فترات الاضطهاد، وكيف يمكن أن تتحول الطقوس الدينية إلى سلاح ذي حدين.


الغولم في الثقافة الشعبية

لم تتوقف حكاية الغولم عند النصوص الدينية، بل ألهمت الكثير من الأعمال:


السينما الصامتة

فيلم ألماني كلاسيكي بعنوان The Golem: How He Came into the World (1920)، من أوائل أفلام الرعب في التاريخ.


الأدب الغربي

استلهمت رواية فرانكشتاين Frankenstein أفكارها جزئياً من هذه الأسطورة.


القصص المصورة وألعاب الفيديو

مثل سلسلة The Witcher وDungeons & Dragons حيث يظهر الغولم ككائن سحري محارب.


الفيلم يطرح أسئلة وجودية عميقة

- هل يحق للإنسان أن يلعب دور الخالق ؟

- هل الألم والحزن يمكن أن يبررا استخدام السحر والقوة المحرمة ؟

- وهل الشر دائماً في المخلوق، أم في نوايا من صنعه ؟

هذه الأسئلة تجعل الفيلم يتجاوز كونه رعباً بصرياً ليصبح عملاً فلسفياً يناقش طبيعة السلطة والحرية.


تشابه مع حكاية بينوكيو

هناك تشابه رمزي عميق بين أسطورة الغولم وحكاية بينوكيو، رغم اختلاف السياقات الثقافية والدينية:


فعل الخلق بواسطة الإنسان 

في أسطورة الغولم، يقوم الحاخام أو الساحر بصنع كائن من الطين عبر طقوس وكلمات مقدسة.

في حكاية بينوكيو، يصنع جيبيتو دمية خشبية بيديه، ثم تنفخ فيها الحياة بطريقة سحرية أو إعجازية.

في الحالتين، الإنسان يتجاوز حدوده الطبيعية، محاولًا لعب دور الخالق.


السعي إلى الإنسانية

الغولم غالباً يظل بلا روح كاملة، مجرد أداة تنفيذية، لا يملك إرادة حرة.

بينما بينوكيو يسعى طوال القصة ليصبح طفلًا حقيقياً، في رحلة رمزية عن النمو الأخلاقي والنفسي.

الفارق هنا أن بينوكيو يمثل التطور والوعي، بينما الغولم يظل "نصف كائن"، مهددًا بالتحول إلى قوة مدمرة.


الرمزية الأخلاقية

الغولم يرمز إلى القوة غير المنضبطة: كلما كبر حجمه أو قوته، زاد خطره على صانعه والمجتمع.

بينما بينوكيو يرمز إلى البراءة والاختيار: الخطأ والتعلم، حيث الأخطاء جزء من رحلته ليصبح كائناً حراً.


النهاية

غالباً ما يعود الغولم إلى الطين، في مشهد مأساوي يرمز إلى فشل تجربة الإنسان في لعب دور الإله.

بينما بينوكيو يُكافأ في النهاية ويصبح إنسانًا حقيقياً بعد تجاوزه الاختبارات الأخلاقية.


قراءة فلسفية

يمكن القول إن بينوكيو يمثل الجانب المشرق لفعل الخلق، حيث الحياة تُمنح بهدف النمو والإصلاح ، بينما الغولم يمثل الجانب المظلم، حيث الحياة تُمنح لغرض القوة والسيطرة، مما يؤدي حتمًا إلى الفوضى.

بهذا، يلتقي العملان في نقطة جوهرية: السؤال عن مسؤولية الخالق تجاه مخلوقه، وعن حدود الإنسان عندما يحاول تقليد قوى الخلق الإلهي.


وفي الختام ، ليس فيلم The Golem مجرد حكاية عن وحش، بل مرآة لأسطورة إنسانية قديمة تحذرنا من مغبة التلاعب بقوى لا نفهمها. وبينما يثير الفيلم الرعب، فإنه يذكرنا بأن أخطر الوحوش ليست تلك المصنوعة من الطين، بل الرغبات البشرية حينما تتحرر من قيود الحكمة والرحمة ، بهذا يظل الغولم، سواء في الفلكلور أو في السينما، رمزاً خالداً للصراع بين الخالق والمخلوق، وبين الحماية والدمار.


معلومات عن الفيلم

التصنيف  : رعب فلكلوري
اللغة        : الإنجليزية
كتابة        : أرييل كوهن 
إخراج      : دورون باز - يوآف باز
سنة الإنتاج : 2018

شاهد برومو الفيلم




نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .