29 سبتمبر 2025

لغز الخزانة

قصة قصيرة - لغز الخوانة
تأليف : كمال غزال
في بيت تغشاه الطمأنينة نهاراً، وتُداعبه الهواجس ليلًا، كان فتىً مولعاً بالمفرّحات؛ من شوكولاتة تُذيب الفؤاد، وعصائر تُنعش الجسد، وتسالي تُسعد الولدان. 

جمعها في خزانةٍ ذات قفلٍ محكم ورقم سري لا يُدركه سواه، كأنها كنز مخبئ، أو حصن منيع.

ومع مرور الليالي، أخذت كنوزه تتناقص شيئاً فشيئاً، حتى بات قلبه كقصعةٍ أُفرغت، وعقله كأرضٍ قُلبت.

حاول أن يفتش في العقول والظنون، فلم يجد سارقاً بين أهله، ولا خائناً في بيته.  فاستبد به القلق، وتملكه الهوس، حتى بات يرى في الظل طيفاً، وفي السكون همساً.

وفي ليلةٍ غاب فيها القمر، وارتدت النجوم رداء الغياب، قرّر أن يسهر حارساً لخزانته.

جلس في ركن غرفته، وعيناه كجمرتين متقدتين. فإذا بالريح تُداعب الستائر كأيد خفية، وهمس غريب يتسرب إلى مسامعه، كأنه أسرار من عالم لا يُرى. ثم لاح أمام الخزانة شبح أسود، كدخان يتشكل ثم يتلاشى، فارتجف قلبه، وأيقن أن الجن قد عزموا على نهب مفرحاته.

في الصباح، عرض على أهله ما رآه، فهزّوا رؤوسهم ساخرين، وقالوا:

"إنما هو خيالُ صبي مولع بالحلوى."

لكن قلبه لم يهدأ، فجمع مصروفه، وباع بعض حلوياته لأقرانه بأضعاف ثمنها، حتى اشترى كاميرا مراقبة، نصبها بعناية تُراقب الخزانة ليل نهار، عسى أن يقبض على اللص الخفي.

ومرت ليال عصيبات، وهو يترقب المشهد الموعود، فلم يظهر في التسجيل إلا تعاقب الليل والنهار، وشروق الشمس وغروبها. حتى غلبه الحزن، وبكى بكاء مُراً حتى غفا.

وحين طلع الفجر، نهض فزعاً ليجد باب خزانته مفتوحاً على مصراعيه ! هرع إليها، فإذا بمفرحاته قد اختفت، ولم يبق سوى قراطيس ممزقة وفتات شوكولاتة. حمل الكاميرا، وجلس يشاهد المقطع بلهفة تكاد تُفجر قلبه.

وهنا كانت الصاعقة…

رأى في الفيديو فتىً يقتحم الخزانة بسهولة عجيبة، كأنه يعرف الرقم السري. يلتهم الشوكولاتة كسبعٍ جائع، ويشرب العصير كجملٍ في صحراء قاحلة، ويمزق أكياس التسالي كما تمزق الذئاب لحم الفرائس. ثم تراجع الفتى مترنحاً نحو السرير… ليكتشف المشاهد المذهول أنّ ذلك الفتى هو نفسه !

جثم الرعب على صدره، إذ أدرك أن ما ظنه شبحاً لم يكن سوى انعكاس لجنونه بالحلويات، وأنه في نومه كان لص نفسه، يسير كالمنوّم، ينهب ما جمعه في وضح الظلام.

لكن…
حين هم بإيقاف الفيديو، لمح في زاوية الغرفة ظلاً أسود يتكور للحظة، ثم يتلاشى كالدخان…
فتجمد الدم في عروقه، وبقي يتساءل:

"أكنتُ أنا السارق حقاً… أم أن هناك من يراقبني، يعبث بعقلي، ويتركني أضحك على نفسي بينما يُخفي سره ؟"

وبقي الباب موارباً، والجواب غائباً… كأن النهاية لم تُكتب بعد.

تمت

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .